إذن: كالشيء الواحد، فلا يُفصل بينهما كما لا يُفصل بين أبعاض الكلمة إلا في ضرورة الشعر مطلقاً، هذا مذهب جمهور البصريين، أنه لا فصلَ بين المضاف والمضاف إليه إلا في ضرورةِ الشعر خاصة، ولكن الناظم هنا خالفَ الجمهور، وفصلَ في الفاصل.

فقال: قد يكون الفاصلُ جائزاً مستعملا في السعة .. سعة الكلام وقد يكون ضرورة.

إذن: ليسَ كل فصل بين المضاف والمضاف إليه يكون في ضرورة الشعر.

وأما الناظمُ هنا فالفصل عندَه بين المضاف والمضاف إليه قسمان: جائز في سعة الكلام وهو النثر، تستعمله ولك القياس، ومخصوص بالضرورة.

قوله:

فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ

فَصْلُ يَمِينٍ .................. ... ......................................

هذه أشارَ بها إلى ما يجوزُ في سعة الكلام.

وقوله: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِنَعْتٍ، أَوْ نِدَا

هذه ثلاثُ مسائل أرادَ بها ما يفصل به بين المضاف والمضاف إليه ضرورة.

أجز فصلَ مضاف، أجز أن يفصل المضافَ منصوبُه؛ لأن ما نصب قلنا هذا فاعل، وإذا كان فاعل حينئذٍ يُقدّر المصدر بأن والفعل، أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حال كونه مفعولاً أو ظرفاً.

لأن ما نصب قلنا: هذا فاعل.

وفَصْلَ مُضَافٍ: فصل مصدر، ومضاف هذا مضاف إليه، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وما نصب فاعل، إذن: كيف يكون التقدير؟ أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حالة كونه مفعولاً أو ظرفاً، والإشارةُ بذلك إلى أن مِن الفصل بين المتضايفين ما هو جائز في السعة، ولذلك قال: أَجِزْ، يعني: في ساعة الكلام لا في الضرورة، ولذا ما عبّرَ عنه بذلك، خلافاً للبصريين في تخصيصهم ذلك بالشعر مطلقاً، والحق أن مسائل الفصل سبعٌ؛ منها ثلاثة جائزة في السعة:

الأول: أن يكون المضاف مصدراً؛ لأنه قال: (شِبْهِ فِعْلٍ) يعني أن يكون المضاف مشابهاً للفعل، وأراد به نوعين: المصدر، واسم الفاعل.

إذن المسألة الأولى التي يجوزُ فيها الفصل بين المتضايفين: أن يكون المضاف مصدراً، وهذا داخل في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ؛ لأن المصدر أشبه الفعل.

أن يكون المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله كقراءة من قرأ -قراءة ابن عامر- ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137] الأصل: قتلُ شركائِهم أولادَهم؛ لأن أولادَهم هذا مفعول به للمصدر وهو قتلُ وهو مضاف، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ) فُصلَ بينَ (قَتْلُ وشُرَكَائِهِمْ) المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف وهو مفعول به، وهو أولادهم، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ).

إذن (أَوْلادَهَمْ) بالنصب على أنه مفعول به، فصلَ بين المضاف وهو قتل وبين المضاف إليه وهو شركائهم، ما المجوز ما المسوغ؟ لكونه معمولاً للمصدر وهو المضاف.

إذن: ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ).

كذلك قوله: (فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ الْبُغَاثَ الأَجَادِلِ ... ) فسقناهم سوقَ الأجادل هذا الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015