وهذا محلّ وِفاق ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] الذي لا يقولُ بالزيادة في القرآن ماذا يقول هنا؟ ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] فتكون (ما) نافية وهذا ليس بظاهر.

إذن: إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً: هذا مفعول به، نُكِّرَا قَبْلاً أي: قبل وما ذكر بعده، وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا، الألف للإطلاق، أي: بعد قبل، هنا ورد عليه: قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ، قال: إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا: وهذا الحكم شاملٌ لـ"غير" أو لا؟ غير هل تُقطَع عن الإضافة بالكلية؟ هل يصحُّ أن نقول: (ليسَ غيراً) كما نقول: قبلاً وبعداً؟ يصحُّ أن نقول، قلنا: لها أربعة أحوال، هذه الأبياتُ الثلاثة كلها .. الألفاظ المذكورة لها أربعة أحوال إلا ما استُثني في (حسب وعلُ) على التفصيل السابق.

حينئذٍ لها أربعة أحوال، من الأحوال قوله: وَأَعْرَبُوا نَصْباً: متى؟ إِذَا مَا نُكِّرَا بمعنى أنه إذا قُطِعت عن الإضافة مُطلقاً لم ينوَ المضاف إليه لا لفظاً ولا معنى صارت اسماً نكرة تامة، مثل: رجلاً (رأيتُ رجلاً)، حينئذٍ نقول: هذا اسمٌ نكرة وتنوينُه تنوينُ تمكين، وليس تنوين عوض أو تنكير؛ لا، بل هو تنوين تمكين دالّ على أمكنية اللفظ في باب الإعراب، حينئذٍ (وَمَا مِنْ بَعْدِهِ) هل الحكم شامل لغير أو لا؟ الصواب أنه شاملٌ لغير، هل يَرِد على الناظم أنه أخرجَ غير؟ لأنه قال: قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ، وهو بعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات، وعلُ .. إذن (غير) لا يشمله الحكم، هذا ظاهر اللفظ، لكن نحتاجُ إلى تأويل، حينئذٍ نقول: ذكرَ (غير) ضِمناً فيما بعد (قبل)؛ لأنه قال: قَبْلُ كَغَيْرُ، أعاد حكمَ (غير) بقوله: كَغَيْرُ، إذن الحكم شامل لغير، فـ (غير) حينئذٍ تُنصب، لكن لا على الظرفية؛ لا تُنصب على الظرفية، وإنما تُنصَب على أنها خبر لليس في المثال الذي ذكرناه.

وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا

قال الشارح: هذه الأسماء المذكورة وهي: غير، وقبل، وبعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات الست، وهي: أمامُك، وخلفُك، وفوقُك، وتحتُك، ويمينُك، كلها على الحكاية يجوزُ فيها الوجهان .. وشمالُك، وعلُ لها أربعة أحوال تُبنى في حالة منها –واحدة- وتُعرَب في بقيتها.

فتُعرَب إذا أُضيفت لفظاً، هذا لا إشكال فيه، إذا صُرّحَ بالمضاف إليه، في الجميع نحو: أصبتُ درهماً لا غيره، صرّحَ بالمضاف إليه، وجئتُ من قبل زيد، هذه الحالة الأولى صرّحَ بالمضاف إليه، أو حُذف المضاف إليه ونُوِي اللفظ، الذي حذفته قصدته كأنه موجوداً، فتعرب حينئذٍ من غير تنوين كما لو تُلِفظ به، وحكى أبو علي: (ابْدَأ بِذَا مِنْ أَوَّلِ) بالجر مِن غير تنوين، وقول الشاعر:

(وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلىً قَرَابَةً ... ). كُلُّ مَوْلىً -بالتنوين- قَرَابَةً، كُلُّ مَوْلَى قَرَابَةٍ يجوزُ فيه الوجهان.

فَمَا عَطَفَتْ مَوْلىً عَلَيه العَوَاطِفُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015