الصورة الرابعة الدقيقة: يُحذف المضافُ إليه وينوى معناه، وهي التي يكون فيها البناء، يُنوى معناه دونَ لفظه؛ فتُبنى في هذه الحال على الضم، وبُني لماذا؟ قيل لافتقارهما إلى المضاف إليه معنىً، يعني هي مفتقرة لا يُفهم معناها إلا بالمضاف إليه، فقلنا: كلما افتقرَ الشيءُ إلى شيءٍ آخر حينئذٍ صارَ علةً في بنائه .. هذا الأصل، وإن كان من العوامل صارَ علة في كونه عاملاً، إذن بُنيت (قبلُ وبعدُ) لافتقارهما إلى ما بعدهما في ظهور المعنى، إذا قلت: جئتُك قبل، قبل ماذا؟ ما فُهِم المراد، لكن إذا قلتَ: (جئتك قبل زيد، أو قبل الظهر، أو بعد العصر) تبيّنَ المراد بالمضاف إليه، إذن هي مفتقرة افتقاراً شديداً إلى ما بعدَه في إيضاح المعنى، وكشف اللبس الذي يكون في اللفظ، إذن بُني لافتقارهما إلى المضاف إليهما معنى، كافتقار الحرف لغيرهما، وبُني على الحركة، وإن كان الأصل أن يُبنى على السكون فراراً من التقاء الساكنين، بعْد العين ساكنة، قبْل الباء ساكنة، فنقول: فراراً من التقاء الساكنين بُني على الحركة، ولماذا أُعطي الضم؟ قيل: جبراً له لما فاته، فاتَه شيءٌ عظيم، وهو أنه حذف المضاف إليه ولم ينوَ لفظه، لو نُوِي لفظه لبقي له قوّة، لكن لما حُذفَ اللفظُ وبقي المعنى صارَ ضعيفاً، فلما ضعُفَ جُبِر بأقوى الحركات.

وقيل بالضم -بُني على الضم- لتخالِفَ حركةُ البنا حركتي الإعراب؛ لأننا في الإعراب ننصبُه ونجره بـ (من)، بقي الضم، إذن من أجل أن نستوفي له الثلاث الحركات بنيناهُ على الضم، هذا وجه وذاك وجه.

إذن: (قَبْلُ) كَ (غَيْرُ)، في كونها تُبنى وتُعرب على التفصيل السابق، متى تُبنى؟ إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا، صارَ حالة البنا لـ (قبل) و (بعد) مثل حالة بناء غير، وما عدا هذه الحال من الأحوال الثلاثة فحينئذٍ تكون مُعربةً على الأصل.

قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ: يعني: وبعد.

حَسْبُ أَوَّلُ: يعني: وحسب وأول.

وَدُونُ وَالجِْهَاتُ: أي الست.

أَيْضاً: آض يئيضُ أيضاً مفعول مطلق والعامل فيه محذوف وجوباً.

وَعَلُ: هذه الألفاظ كلّها ملازمة للإضافة، ثم فيها التفصيل الذي في (غير)، يعني كل هذه الألفاظ لها أربعة أحوال: حالة بناء وذلك فيما إذا حُذف المضاف إليه ونُوِي معناه، وحالةُ إعراب وهي في الثلاث الصُّور الأخرى، لكن ظاهر إطلاق الناظم هنا أن حسب وعل مطلقاً تكون مبنية، وليس الأمر كذلك.

نقول: (حَسْبُ) بإسكان السين، ولها في اللغة استعمالان، (حسب) ليست مطلقاً ما أراده الناظم هنا، وإنما فيه تفصيل، لها استعمالان في لسان العرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015