إذن: الحال الأولى لـ (قبل وبعد) أنه يُصرّح بالمضاف إليه، يعني يُلفظ وينطقُ به، فحينئذٍ إما أنها تُنصَب على الظرفية وإما أنها تُخفَض بـ (من).
الثاني: أن يُحذف المضاف إليه ويُنوى ثبوت لفظه، وهذه الحال كغير، و (غير) هناك قلنا أنها تَبقى على إعرابها، فتكون معربةً على الأصل لكن لا يُنَوَّن؛ لأنّ المحذوف مُرادٌ به اللفظ فهو كالثابت، كأنّه موجود، وإذا وُجِد حينئذٍ سُلِب من المضاف التنوين، فيَبقى الإعراب ولا يُنوّنان لنية الإضافة.
الصورة الثالثة: أن يُحذَف المضاف إليه، أي: أن يَقطَعَ عن الإضافة لفظاً ومعنى، إفراد مُطلقاً، يعني يُحذَف المضاف إليه ولا يُنَوى لا لفظه ولا معناه، حينئذٍ صارَ معرباً.
فيُعربان الإعرابَ المذكور نصباً على الظرفية وخفضاً بـ (من)، ولكنّهما يُنونان بخلافِ الصورة الثانية، الصورة الثانية: يُحذف التنوين لنية المضاف إليه في اللفظ؛ لأنّه كالموجود، وإذا كان كالموجود حينئذٍ يُراعى فيُحذف التنوين مِن المضاف كما تُحذَف النون مِن المضاف، ولكنّهما يُنونان لأنهما حينئذٍ اسمانِ تامّانِ كسائر النكرات، فهما نكرتان في هذا الوجه لعدمِ الإضافة لفظاً وتقديراً، ولذلك نُوِّنَا تنوينَ تمكين (من قبلٍ ومن بعدٍ)، (قبلاً وبعداً) نقولُ هذا التنوين تنوينُ تمكينٍ .. هذا الصحيح، وقيل: مَعرفتان بنيّة الإضافة، وتنوينُهما تنوينُ عوض، وليسَ الأمر كذلك، وقال ابنُ مالك في شرح الكافية: وهذا القول عندي حسن -أن يكونا معرفتين والتنوين تنوينُ عوض، لكنه ليس بالمشهور الأول هو أظهر-، ومعرفتان في الوجهين قبله بالإضافة لفظاً في الأول وتقديراً في الثاني، الوجه الأول والثاني معرفتان، الوجه الأول الذي يُصرّح فيه بالمضاف إليه (قبلهم، بعدهم، من قبلهم، من بعدهم) هما معرفتان.
والثاني -الذي إذا حُذف المضاف إليه ونُوي ثبوت لفظه- كذلك هو معرفة؛ لأنه صُرِّح بالمضاف إليه في الأول ونُوي ثبوت لفظه في الثاني فهو كالموجود.