ثم اختُلف حينئذٍ فقال المبرد: ضمة بناء، فهي مبنية على الضم؛ لأنها كـ (قبلُ) في الإبهام؛ لأنها أشبهت (قبل)، وسيأتي أن (قبل) مثل (غير): قَبْلُ كَغَيْرُ وهي لها أربعة أحوال، و (قبل) و (بعد) وحسب وأول كلّها من المبهمات، فإذا كان كذلك صارَ الأصل فيها البناء.
إذن هي ضمةُ بناءٍ لأنها كـ (قبل) في الإبهام فهي اسم أو خبر .. اسم ليس أو خبر، (قبضت عشرة ليس غير) على أنها خبر: ليس المقبوض غيرُ، وعلى أنها اسم ليس: (ليس مقبوضاَ غيرُ) فيجوزُ فيها الوجهان، أي اسمٌ لليس في محلّ رفع، والتقدير: ليس غيرُها مقبوضاً؛ هذا إذا رددتَ المضاف إليه، أو خبرٌ لليس في محل نصب والتقدير (ليس المقبوض غيرُ أو غيرُها) وهذا ظاهرُ النظم الذي اختارَه ابن مالك رحمه الله تعالى وهو المشهور عند المتأخرين أن (غيراً) كـ (قبل وبعد)، في أن لها أربعة أحوال.
المذهب الثاني وهو مذهبُ الأخفش أنها ضمة إعراب، وعليه حينئذٍ (غير) لا تُبنى البتة، وإنما هي مُعربة مطلقاً، والتفصيل هذا لا يتأتى إلى على مذهب المبرد والناظم، وقال الأخفش: ضمة إعراب وحُذف التنوين، وأوُرِد عليه: لماذا حُذِف التنوين؟ (ليس غيرُ)، لو كانت ضمة إعراب لقيل: ليس غيرٌ بالتنوين، لماذا حُذف التنوين؟ قال: للتخفيف، وقيل للإضافة تقديراً، يعني كأنّ المضاف إليه موجود، وإذا كان كذلك حينئذٍ يتعينُ أن يكون (غير) اسم ليس، ولا يجوزُ أن يكون خبر ليس، لماذا؟ لأن هذه الضمة ضمة إعراب، وخبر ليسَ منصوب لا مرفوع، إذن يتعينُ أن يكون غير في هذا التركيب اسم ليس، وعلى مذهب المبرد أنه يجوزُ فيه الوجهان.
إذن حُذِف التنوين هنا قيل: للتخفيف، وقيل: للإضافة تقديراً؛ لأن المضاف إليه ثابت في التقدير، فهي عندَه اسم ككل وبعض، وسبقَ أن (كل وبعض) هذه مُلازمة للإضافة معنى دون لفظ، يعني الأصل فيها أن يُذكر المضاف إليه، ولكن قد يُحذَف ويُعوض عنه بالتنوين، وحينئذٍ إذا حُذف التنوين لا نسلب (كل وبعض) الإضافة، بل هي مضافة لكنها في المعنى، ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)) [الإسراء:84] كلٌ هنا مضاف أو لا؟ نعم مُضاف، لكنها مُضافة معنى لا لفظاً، وهذا التنوين تنوينُ عوض عن المضاف إليه، حُذف ونُوي، حذف لفظاً ونوي، فهي عندَه اسم ككل وبعض لا ظرف للزمان كقبل وبعد ولا للمكان، فهي اسمٌ ليس لا خبر؛ لأنه لا يُرفع. فهي اسمٌ كـ (كل وبعض) في جواز القطع عن الإضافة لفظاً، فهي اسمٌ غير ظرف، فحينئذٍ يكون المضاف إليه منوي الإضافة، وجوّز ابن خروف الإعراب والبناء؛ لأنّ كلاً منهما محتمل، لكن الصواب أنها مبنية؛ لأن لا وجهَ لحذف التنوين هنا إلا البناء، ولأنها مثل (قبل وبعد)، و (قبل وبعد) لا شك أنهما يُبنيان إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه، وأما ما قيلَ بأن المضاف إليه في التقدير أو أن التنوين حُذِف للتخفيف هذا وجهٌ ضعيف، الصواب أنها مبنية.
والحاصلُ في (غير) أنه يجوز قليل الفتح مع تنوين (غير) ودونه، فهي خبرٌ والحركة إعراب اتفاقاً، كالضمّ مع التنوين (ليس غيراً- ليس غيرُ).
هذه "ليسَ غير" فيها أربعة أوجه، إذا جئنا للنتيجة، يصحّ أن يقال: (ليس غيرُ، ليس غيرٌ، ليس غيراً، ليس غيرَ) أربعة أوجه.