الموضع الثالث الذي اختلفَ فيه النحاة وفيه (مع)، هل هي مُعرَبة مطلقة في كل الأحوال وفي كل اللغات أم فيه تفصيل؟ مذهبُ سيبويه أنها مُعربة مطلقاً في كل حال من الأحوال، وفي كلّ لغة من اللغات، فحينئذٍ: مَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ سواء فُتحت العين أو سُكّنت العين، فإن سُكّنت العين حينئذٍ تكون ضرورة كما سيأتي في البيت الذي يتلوه الشارح، وما عدا ذلك فحينئذٍ الأصلُ فيه الفتح، ولا تُسكّن إلا في ضرورة الشعر، فحينئذٍ هي لغة واحدة وهي مُعربة، وذهبَ كثير مِن المتأخرين إلى التفصيل، إلى أن (مع) فيها لغتان، لغة وهي مُعربة؛ وذلك إذا حُرّكت بالفتح التي عناها المصنف بقوله: و (مع)، ولغة هي مبنية، سيأتي التعليل وهي لغة غنم وربيع، حينئذٍ عندَهم مبنية وهي على الأصل في البناء وهي كونها مبنية على السكون.
إذن: وَمَعَ المعربة مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ: وهو البناء، وهذا مذهبُ كثير من المتأخرين وظاهرُ الناظم على هذا، التفصيل في (مع) بأنها قد تكون معربة وقد تكون مبنية، مُعربة في سائر اللغات إلا في لغة؛ فهي مبنية عندهم على السكون وهو الأصل فيها.
وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ: عرفنا (مع) أنه معطوف على ما قبله، يعني وألزموا إضافة أيضاً (مع)، كما ألزموا الإضافة في (لدن).
(مَعْ) بالبناء على السكون -وهذا ظاهر النظم- قليل، قليل فيها، فيها قليل، بمعنى أنه قليل، وإذا قيل قليل فمعناه أنه ليسَ باللغة الشائعة في لسان العرب، إذا حُكِم على اللفظ المسموع بأنه قليل نحكم عليه بأنه ليسَ هو المطرد في لسان العرب، وإنما نحكم بكونه كثيراً مطرداً إذا كان مقابلاً للقليل.
إذن قليل يقابله الكثير، وهو ما افتتح به البيت.
هذا حكمُه إذا اتصل بياء مُتحرّك، ونُقِل فتح وكسر، نُقِل في اللغة الثانية وهي لغة السكون فتح وكسر، متى فتح وكسر؟ إذا تلاها ساكن، إذا تلاها ساكن جازَ فيه أمران في العين، جازَ فيه أمران: الفتح تخفيفاً، والكسرُ على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.
إذا نطقت بـ (معَ) على الأصل فيها -وهي المعربة- حينئذٍ لا إشكال فيه إذا تلاها ساكن (معَ القوم)، لا بأس به، (معَ العالم)، (معَ الرجل) .. نقول: هذا لا إشكال فيه، وأمّا إذا نطقت بها مبنية على السكون فحينئذٍ يلتقي ساكنان مع الـ، نقول: (أل) هذه اللام ساكنة فالتقى ساكنان، فحينئذٍ نُقِل في لسان العرب تحريك هذه المبنية على السكون .. تحريكها بالفتح فتقول: (جاء مع القوم)، وهذه مبنية على السكون مُقدراً، لماذا مُقدّر؟ لأن الأصلُ فيها أنها ساكنة، (جاء مع القوم)، تقول: (مع) هذا مبني على السكون المقدر منعَ مِن ظهوره اشتغالُ المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر هذا الأصل، فلماذا عُدِل إلى الفتح؟ طلباً للخفة، ولا بأس بأن يُقال: بأن أصلها المعربة؛ لأنّ الإعراب هو أصلٌ والبناء فرع، فحينئذٍ لُوحظ فيه الأصل وهو الفتح، وإذا قلت: (معِ القوم)، كسرتَ حينئذٍ على الأصل للتخلص من التقاء الساكنين.