فحينئذٍ هل أصلُها ثنائية أم ثلاثية وحُذف منها اللام كما حذف من يد؟ يد قلنا هذه ثلاثية الأصل وحُذف منها اللام، فأصلُها يديٌ فَعْلٌ، دمٌ أصلها (دميٌ) (دموٌ) على الخلاف في المحذوف هل هو ياء أم واو، فحينئذٍ حُذفت اللام التي هي الياء من (يد) (يديٌ)، والياء أو الواو من (دم) (دمي) أو (دمو) اعتباطاً؛ لغير علة تصريفية.
هل (مع) مثلُها وأصلها كـ (فتى) يعني (معي) تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلَها فوجبَ قلبُها ألفاً، ثم رجعت عندَ قطعها عن الإضافة؟ هذا محلّ خلاف بين النحاة.
كونها ثنائية الوضعِ هو قولُ الخليل بن أحمد الفراهيدي أن أصلها ثنائية، وهذا هو الأصلُ إذا سُمِع لفظٌ على حرفين وإن كان الأصل في وضع الكلمة التي هي اسم أن تكون على ثلاثةِ أحرف كذلك الفعل، لكن لا يُحكَم بكون ثَمَّ حرفاً زائداً أو حرفاً ثالثاً محذوفا وهو أصل في الأصل؛ إلا إذا ذُكِر في موضع آخر، يعني صُرِّح به حينئذٍ نقول: ثَم حرفٌ محذوف وحذفُه يكون اعتباطياً، وأمّا إذا سُمِع لفظ هكذا (مع) حينئذٍ نقول: الأصل أنه وُضِع على حرفين، وهذا الحرفُ المحذوف الله أعلم به، وإن كان الأصلُ أن يكون ثَم ثالث، ولكن يُنطَق به كما وُضِع، ولذلك قولُ الخليلِ: أنها ثنائية الوضع، يعني وُضِعت على حرفين، وذهبَ يونس والأخفش إلى أنها ثلاثية، وحُذِف الحرفُ الثالث اعتباطاً كما حُذِفت الياء من (يد) والواو أو الياء من (دم).
ثم ينبني على هذا الخلاف إذا قُطِعت عن الإضافة وقيل: جاء الزيدان معًا، جاءوا معا .. هذه الألف هل هي مُبدلة من تنوينٍ أم أنها هي الحرف الذي حُذِف، فمن قال إن أصلها ثنائية الواوا فحينئذٍ حَكَم على هذه الألف بأنها هي التنوين مثل الألف في (زيد) رأيت زيدا؛ فالألفُ هذه مُنقلبة عن التنوين، إذن (جاءوا معا) نقول: هذه الألف منقلبة عن التنوين، وهذا قولُ مَن قال بأنها ثنائية الوضع.
ومَن قال بأنها ثلاثية، قال: هذه الألفُ هي التي حُذِفت اعتباطاً، فهي ثلاثية الوضع، فلما أُضيفت حُذِفت منها اللام؛ لامُ الكلمة وأصلها ياء، أصلها (معي) مثل (فتي)، تحرَّكت الياء في فتى وانفتح ما قبلها فوجب قلبُها ألفاً فقيل: فتى، عصا عصوَ، تحرّكت الواو وانفتح ما قبلَها فوجبَ قلبُها ألفاً، فقيل: عصا، مثلها معيَ، (هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِيَ) هكذا قُرئ، فقال بعضهم: أن هذه الياء هي أصل الألف التي رجعت بعد القطع عن الإضافة.
فذهبَ الخليل إلى أن هذه الألف بدلٌ عن التنوين بناء على أنها ثنائية، وذهب يونس والأخفش إلى أن هذه الألف هي لام الكلمة كالألف في فتى، وهذا بناء على أنها ثلاثية.