وَنَصْبُ غُدْوَةٍ، نَصْبُ غُدْوَةٍ: يجوزُ فيه الوجهان على الحكاية وعلى الجرّ، والجرُّ أولى.
وَأَلْزمُوا: أي العرب.
لَدُنْ إِضَافَةً، لَدُنْ بفَتح اللام وضمّ الدال ونون ساكنة، وفتحها وكسرها وضمهما وسكون النون لدُنْ، ولدَنْ، ولدِنْ، ولُدُنْ .. يعني فيها أربعُ لغات، لدُنْ، ولدَنْ، ولدِنْ، ولُدُنْ.
وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ: لدُن هذا مفعول أول، وإضافة هذا مفعول ثاني، ـ فجرّ ما بعدَه.
وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ: يعني ما بعده، بالإضافة.
قالوا: هنا صرّح ابنُ مالك رحمه الله بأن المضاف هو الذي يُجرّ، بخلاف قوله في أول الباب: وَالثَّانِيَ اجْرُرْ، ما نصَّ على أن المضاف هو الذي يعملُ في المضاف إليه.
لكن قوله هناك: فَجَرّْ، دلَّ على أن العامل هو المضاف إليه، قوله: فجَرّ فائدتُه بعدَ قوله: (إضافة) بيان أن عامل الجرّ هو المضاف على الصحيح، وفُهِم أيضاً أنها لا تُضاف إلا للمفرد وعمّمه المرادي.
يعني: فجر ما بعدَه مُطلقاً، جره بالإضافة لفظاً إن كان مُعرباً، ومحلاً إن كان مبنياً، أو جملة على القول بأنّ لدن تُضاف إلى الجملة، فجر ما بعدَه لفظاً أو محلاً سواء كان مبنياً مُفرداً أو جملة فالحكم عامٌّ.
فالأول: الذي هو اللفظي نحو: ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ)) [هود:1] حكيمٌ هذا جُرَّ في اللفظ، والثاني نحو: ((وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) [الكهف:65]، والثالث نحو قوله:
وتذكرُ نُعْماهُ لَدُنْ أنتَ يافعُ
ومنه: (لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ ... ) أُضيف إلى الجملة الاسمية بقوله: لَدُنْ أنتَ يافعُ، وإلى الجملة الفعلية نحو: شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ، فنقول: هذا جائزٌ وبعضهم منعَهُ أن تُضاف إلى الجملة.
وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ ... وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ
إذن (لدُن) مِن الأسماء الملازمة للإضافة لفظاً ومعنى، فقيل: (لدُن) بمعنى (عند)، فتكونُ اسماً لمكان الحضور وزمانه كما أن (عند) كذلك، فهي مُرادفة لعند، وقيل: هي لأول غايةِ من الزمان والمكان، أول غاية، وهي التي يعبر عنها ابن عقيل: فأما (لدن) فلابتداء غاية زمان أو مكان، إذن في تفسيرها معنيان، والمشهور الأول: أن (لدُن) بمعنى (عند)، إلا أنها تختَصّ بستةِ أمور وتُفارِق (عند) بها، الأول: أنها مُلازمة لمبدأ الغايات زمانية ومكانية، وغير غير ملازمة؛ تدلُّ عليها وعلى غيرها، تُستعمَل ظرفاً وتُستعمَل دالة على الغاية الزمانية والمكانية، وأما لدن ملازمة لا تخرج عنها بخلاف (عند)، إذن هي ملازمة لمبدأ الغايات.
ومن ثمَّ يَتعاقبان في نحو: (جئت من عنده) و (من لدنه)، (جئت من عنده) يعني: ابتداء الغاية المسافة المجيء مِن عند زيد مثلاً، و (جئت من لدنه)، حينئذٍ نقول: من لدنه، نقول: هذه دلّت على أول المسافة مثل (عند)، إذن تعاقبا يعني تواردا في مثال واحد.