إذن لما رجعَ إلى جمع قلنا دالٌّ على الجمع، قد يكونُ اسمُ الإشارةِ في وضعه دالاً على الواحد، وكذلك الضمير هو أو هي دالاً على الواحد، لكن إذا رجعَ إلى جمع فحينئذٍ ينتقلُ مفهومُه فيصيرُ معناه الجمع، وكذلك اسمُ الإشارة هنا: كلا ذا، المشار إليه هو مجموع الخير والشر وهو مُثنى، إذن ذا مثناة في المعنى، ومثلها ((لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ)) [البقرة:68] مع كونها أشارَ به إلى الاثنين، أي وكلا ما ذُكر وبين ما ذُكر.
إذن: إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَا، يعني ذا الذي هو المذكور والمذكور مُثنى، إذن نقول: ذا استُعمِل باستعمال المثنى فأُريد به الاثنان فدَخَل في قوله: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ.
نحو: كِلاَ ذَينك، واشتُرِطت الدلالة على الاثنين، لماذا اشترطنا كونَ المضاف إليه دالاً على الاثنين؟ لأنه كما مضى أن (كلا) و (كلتا) يُستعمَلان توكيداً، وإذا كانا كذلك حينئذٍ يُؤكِّدان المضاف إليه وإذا أُكِّد المضاف إليه فشرطُ المؤكِّد مع المؤكَّد التطابق إفراداً وتثنية وجمعاً، وإذا كان معنى كلا الاثنين وكلتا كذلك إذا كان معناها الاثنين، حينئذٍ لزِمَ أن يكونَ المؤكَّد بها وهو المضاف إليه أن يكونَ دالاً على الاثنين، سواء دلَّ عليه بحسب الوضع مثل المثنى أو بحسب القصد مثل ذا التي للإشارة، فحينئذٍ نقول: لزِمَ أن يكون المضاف إليه دالاً على اثنين؛ لأن المضاف إليه مؤكَّد، وكلا وكلتا مؤكِّد وشرطُهُ -التأكيد يعني-: التطابق بينَ المؤكِّد والمؤكَّد في الإفراد والتذكير والتثنية والجمع.
إذن: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: هذا هو الشرط الأول، إما بحسب الوضع وإما بحسب القصد، ومرادنا بحسب الوضع هو المثنى أو ضميره، وأما بحسب القصد فهذا (نا) لأنها مُشتركة بين الواحد والاثنين والجمع، وكذلك اسم الإشارة.
مُعَرَّفٍ: هذا الشرط الثاني .. احترَزَ به عن النكرة، فلا تُضاف (كلا) و (كلتا) إلى نكرة.
مُعَرَّفٍ: هذا الشرطُ أشارَ به إلى التعريف، فلا يجوزُ كلا رجلين، ولا كلتا امرأتين، خلافاً للكوفيين؛ إذ جَوّزوا إضافتهما إلى النكرة المختصة، يعني الموصوفة أو المضافة، نحو (كلا رجلينِ عندَك قائمان)، رجلين هذا مُضاف إليه وهو نكرة، عندك هذا منصوب على الظرفية مُتعلق بمحذوف صفة لرجل .. إذاً اختصت، صارت مختصّة، فحينئذٍ جوّزَ الكوفيون إضافة كلا وكلتا إلى النكرة المختصة، لأن عندهم -كما سيأتي في باب التوكيد- يجوزُ توكيد النكرة إن أفادت، وإنما تُفيد إذا كانت مختصّة، وهل يُشترَط بين المؤكِّد والمؤكَّد التعريف أم لا؟