إذن: جازَ أن يستفيدَ من المضاف إليه التأنيث فصحَّ تأنيثُ بعض لإضافته إلى أصابع, وهو مُؤنّث لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قُطعت أصابعه, ومنه: جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ, جادت عليه كلُّ عين, هذا أوضحُ؛ جادت جاد, أنّثَه, كلّ عين: هذا فاعل, (كلّ) لفظٌ مُذكّر أُضيف إلى عين وهو مؤنث فاكتسب منه التأنيث فقال جادت, جادت عينُ, وجاء قوله تعالى: ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ)) [آل عمران:30] كلّ نفسٍ تجد, ما قال: يجد, قال: تجدُ كل نفس, بالتأنيث (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) على قراءة (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) إذن: السيارة مُؤنّث أُضيف إلى بعض مثل السابق.

مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهْتْ ... أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ

تَسَفَّهْتْ مَرَّ الرِّياحِ، مَرّ مذكّر والرياح مُؤنّث وتسفهت هذا مؤنّث بإلحاق التاء, فدلَّ على أن الفاعل مؤنث، ومرّ الرياح هذا فاعل تسفّهت, فأنث المرّ لإضافته إلى الرياح, وجازَ ذلك لصحة الاستغناء عن المرّ بالرياح, نحو: تسفهت الرياح, وربما كان المضاف مُؤنثاً فاكتسبَ التذكير من المضاف إليه .. من المذكر المضاف؛ عكس يعني, يكون المضاف مؤنثا والمضاف إليه مذكراً فيكتسبُ التذكير من المضاف إليه:

إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوعِ هَوىً, إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ, ما قال: مكسوفة؛ لأنّ التأنيث هنا يُراعى, إذا قيل المضاف اكتسبَ التأنيث حينئذٍ يُؤنّث له الفعل والنعت والضمير واسم الإشارة إلى آخرة, نعرفُ أنه مُؤنّث بهذه الأمور, وهنا قال: إنارةُ العقلِ مكسوف, إنارة هذا مُؤنّث وهو مضاف والعقل مُضاف إليه وهو مُذكّر, نقول: استفادَ إنارة التذكير وهو مُؤنّث من المضاف إليه بدليل الوصف؛ لأنه قال: مكسوف لو كان مونثاً لقال مكسوفة بالتاء.

ومثّلَ ابن عقيل بقوله: ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] رحمةُ هذا المثال محتمل وحوله كلامٌ طويلٌ، رحمة الله, رحمة في اللفظ مُؤنّث أضيفت إلى لفظ الجلالة فاكتسبَ التذكير, وكما قلنا سابقاً: لا بأسَ أن يُوصَف اللفظ بكونه مُذكّراًَ, فالحكم على اللفظ لا على الموصوف, لئلا يُقال كيف يُقال بهذا الوصف؟ نقول: في لسان العرب ثم ما هو ضمير مذكّر وضمير مونّث, ما الذي اعتبر لفظ الجلالة هنا؟ وهو الله عادَ عليه الضمير وهذا قطعاً أنه لمذكر, حينئذٍ نقول: اللفظ هنا هو الذي يوصف بكونه مذكّراً فلا اعتراض حينئذٍ بكون المسمّى يلزم منه وصفه بالتذكير وهو وصف لم يثبت في الشرع.

نقول: نعم, وصفُهُ لا يثبت لكن لفظُهُ لا إشكال فيه ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] قريب لم يقل: قريبة, وهذا المثال فيه نظر؛ لأن قريب هذا فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث, فيحتمل أنه قريبةً، لكن لا يُقال بأنه قريب, فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث, وهذا سبق معنا جريح هناك في باب جمع المذكر السالم, قلنا: ما كان مما استوى فيه المذكر والمؤنث لا يجمع بواو ونون؛ لأنه يقال: امرأة جريح, وزيد جريح, هذا مثله.

إذن: الشاهد ليسَ بجيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015