فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: يعني: لا يكتسبُ التعريف، بقي حالة واحدة وهي التخصيص، نقول: هذه لا يستفيدها بعد الإضافة لماذا؟ لأنه مخصّص؛ لأنا نشترِطُ في المضاف هنا أن يكون عاملاً، وإذا كان عاملاً صارَ مخصّصاً؛ لأن كل معمول هو مُقيّدٍ لعامله مخصّصٌ له كل معمول، سواء كان في باب الأفعال أو غيرها، حينئذٍ نقول: (أنا ضاربٌ زيداً) هذا مخصص، مخصص بماذا؟ لأنكَ ما قلت: أنا ضاربٌ، لو قلت: أنا ضاربٌ هذا مُطلَق، لكن الكلام لا يتم، لأن هذا يعملُ عملَ فعله فلا بد له من مفعول به، وزيداً هذا مفعول به، فهو مخصّص به، فإذا أضفتَه قلت: أنا ضاربُ زيدٍ لم يأتِ شيءٌ جديد، بل التخصيص الذي قبلَ الإضافة، وهو كونه ضارباً لزيد هو التخصيص بعد الإضافة وهو كونه ضارباً لزيد.
إذن: المضروب هو هو، والضارب هو هو، لم نستفد أيّ تخصيص بعد الإضافة.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً، لابد أن نقيّدَه وصفاً بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنه إذا كان وصف اسم فاعل أو اسم مفعول بمعنى المضي، حينئذٍ لم يخرج عن الإضافة المحضة المعنوية، بل هو داخل فيها.
وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: أشارَ بإضافة التنكير إلى ضميرِ المضاف إلى أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلَها، أنا ضاربٌ .. ضاربُ زيدٍ، فَعَنْ تَنكِيرِهِ، يعني: تنكير المضاف، إذن: هو قبل الإضافة مُنكّر .. نكرة، وبعد الإضافة نكرة، فدلَّ على أن الأصل وهو التنكير يبقى بعد الإضافة، والأصل بقاء ما كانَ على ما كان هذا الأصل فيه، حتى يثبتَ ما يرفعُه.
إلا أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلها، فأفادَ أن إضافته لا تُفيدُه التخصيص كما لا تُفيدُه التعريف؛ لا تُفيدُه التعريفَ لما ذكرناه؛ ولا تُفيده التخصيصَ لأنه مخصَّص قبلَ الإضافة، والمخصّص لا يُخصّص، وسواء أُضيف إلى المعرفة أو أُضيف إلى النكرة فهو نكرة، وهل الإضافة هذه على معنى حرف؟ كما ذكرنا أنها ليست على معنى حرفٍ هذا هو الصحيح، والجماهير على هذا، وقيل في اللفظية كذلك؛ لأنها ظهرت في بعض المواضع: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه، قلنا: أن هذه ليست بمعنى واحد، يعني: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه، هذه إذا لاحظنا اللام: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، وأنها أفادت توكيداً وحينئذٍ فرقٌ بينَ الجملتين بينَ الكلمتين، ظالمُ نفسِه بدون اللام أقلّ شأناً من جهة التأكيد من ظالم لنفسِه، وتلك فيها نوعُ تأكيد، لماذا؟ لأن الأصل ظالمٌ نفسَه.
وذكرنا أن العمل إذا كان فرعياً في العامل حينئذٍ يُستحسَن أن يُؤتى بلام، ماذا نسميها؟ وزِيدَ .. وزِيدَ يعني اللام، متى؟ إذا تقدّمَ المعمول على عامله، وإذا كان العاملُ فرعاً كاسم الفاعل: ((مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)) [البقرة:97]، ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، فإذا أُضيف حُذِفت اللام، ولا شك أن الثاني أقل تأكيداً من الأول.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ
كَرُبَّ رَاجِينَا عَظِيمِ الأَمَلِ ... مُرَوَّعِ الْقَلْبِ قَلِيلِ الْحِيَلِ