وأما التقييديةُ التي هنا، فهي التي جاءت لإفادةِ التقييد والتحديدِ بإضافة الأول إلى الثاني، وتصحُّ هنا الإضافة بأدنى مُلابَسة، إضافةُ الأول للثاني نسبةٌ تقييدية هل ثم عنوانٌ يمكن ضبطُه متى نُضيفُ ومتى لا نُضِيف؟ هنا النحاة والبيانيون قالوا: أدنى نسبةٍ أدنى ارتباط بينَ الاسمين يجوزُ أن يُضاف الأول إلى الثاني، يعني: متى ما شَعَرَ الإنسان أن ثم ارتباطاً بين اللفظين، حينئذٍ جازَ إضافةُ الأول إلى الثاني، ولذلك قالوا في قوله تعالى: ((لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، العشية والضحى مختلفان، لكن قال: ((عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، الضميرُ يعودُ إلى العشية، يعني: ضُحى العشية، ما يأتي هذا كيف؟ هل هو مثل غلامُ زيد؟ ما العلاقةُ هنا .. ما النسبة بين اللفظين؟ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، يعني: ضُحى العشية، قالوا: أدنى مُلابَسة، ما هي الملابسة؟ كونُ كلٍّ منهما طرفي النهار، هذا في أوله وهذا في آخره؛ لأنه قد يُحمَل الشيء على نقيضه، كما مرَّ معنا في (لا) النافية للجنس، قلنا: هذه أُعملت عمل (إنّ) بحملها على النقيض؛ لأنها مؤكِّدة للنفي وتلك مؤكِّدة للإثبات.
إذن: قد يُحمَل الشيء على نقيضه، هنا كذلك نُظِر إلى طرفي النهار، إذن: بينهما مُناسبة أو لا؟ بينهما مناسبة، فصحَّ، وإن لم تكن هذه المناسبة ظاهرة لكلّ أحد، قد يقولُ قائل: لماذا أُضيف ضحاها هنا لعشية وهو مُضاف إلى الضمير؟ نقول: وتصحُّ بأدنى مُلابَسة كالآية المذكورة، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صحّت إضافةُ أحدهما إلى الآخر.
وقولهم: كَوْكَبُ الخَرْقاءِ، الخرقاء امرأة تستيقظُ عندَ ظهور هذا الكوكب، كوكب الخرقاء ما العلاقة بينهما؟ أُضيفَ إليها لأنها كانت تتنبّهُ وقتَ طلوعه، إذن: أدنى مُلابسة بين اسمين، حينئذٍ لكَ أن تُضيف الأول إلى الثاني، وليسَ له ضابطٌ يمكن الاعتمادُ عليه بأنه إذا كان كذا .. إلى آخره، وإنما هي ليست كالعلاقات بين المجاز المرسَل لا، هناك ثمانية عشرَ نوعاً مما يجوزُ فيه إطلاق الكل على الجزء أو العكس إلى آخره، وأما في الإضافة لا، والأصح أن الأول قلنا: نسبة تقييدية بين اسمين، الأصحُّ أن الأول هو المضاف والثاني هو المضاف إليه، وهذا قولُ جماهير النحاة، غلامُ زيدٍ، غلامُ: هو المضاف وزيدٍ: هو المضاف إليه، وقيلَ العكس غلام هو المضاف إليه وزيدٍ هو المضاف، وقيلَ كلٌّ منهما مضاف ومضاف إليه، يعني: غلامُ مضاف إلى زيد، وأُضيف إليه زيد، وزيدٌ مُضاف إلى غلام، ومُضافٌ إليه غلام، كلّ منهما يصحَّ أن يقال بأنه مضاف ومضاف إليه، فيستفيدُ منه تخصيصاً وغيره.
إذن: الأصحّ أن الأولَ هو المضاف والثاني المضاف إليه، وهو قولُ سيبويه؛ لأن الأول هو الذي يُضاف إلى الثاني، الأول الذي هو غلامُ هو الذي يُضاف إلى الثاني وهو زيد، فيستفيدُ منه تخصيصاً أو تعريفاً، وهذا في الإضافة المحضة.