بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدَّ عَوََّضْ: هذه باء التعويض، تسمّى باء المقابلة، وهي داخلة على الأثمان، اشتريتُ الفرس بألف درهم، باء الثمن هذه، والفرقُ بينها وبينَ باء البدل؛ باء العوض؛ أن باء العوض تكون في مُقابلة الشيءِ بشيء آخر، اشتريتُ كذا بكذا، نقول: هذا ليس فيه .. اشتريتُ هذا بذا، حينئذٍ تقولُ: هذا مُقابلة الشيء بالشيء، يعني: لم يعطِك هذا إلا بمقابلة الآخر، وأما البدل لا، لا يلزمُ فيه أن يكون مقابلة شيء بشيء، إذن: باء العوض تكون في مقابلة شيء بشيء آخر، وباءُ البدل عبارةٌ عن اختيار شيءٍ بغضّ النظر عن المقابلة، أو شيء مدفوع بدلَ شيء آخر.
إذن: باء البدل ليسَ فيه مقابلة، أعطيك هذا بدل كذا، لكن باء العوض لا، باء الثمن لا، لابدّ من دفع شيء أنت تدفعُ لمقابله، وهذا التي يستعملُها الفقهاء في باب أو كتاب البيع.
عَوََّضْ: هذه التعويض، أَلْصِقِ: يعني: إلصاق، وهذا قد يكونُ حقيقةً وقد يكون مجازاً؛ حقيقة: كما أمسكتُ بزيدٍ؛ أمسكتَ إذا أخذتَ بشيء منه حقيقة، تقول: أمسكتُ بزيدٍ: ((وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)) [المائدة:6]، هذا حقيقة، وأما مررتُ بزيدٍ هذا ليس فيه إلصاق حقيقي، وإنما المراد مررتُ، وقعَ مروري بمكانٍ قُرب زيدٍ، مررتُ بزيد لا يُشترَط فيه المماسة، مررتُ بزيدٍ، يعني: حككتَ بجسمه مررتَ بجواره؟ هذا الأصل في الإلصاق، لكن ليس هذا المراد: مررتُ بزيدٍ، إنما المراد: بمكان قُرب زيدٍ، يعني: بمكان قريب من زيد، فصارت مجازية.
وَمِثْلَ مَعْ: مِثْلَ بالنصب، حالٌ من الضمير في (بها)؛ بها انطق بها آخر البيت، مثل مع: يعني: تأتي بمثل (مع)، و (مع) المراد بها المصاحَبة، فمثل منصوب، وهو مُضاف و (مع) مضاف إليه، حال من الضمير المجرور بالباء مُتقدّمة عليه، والمراد هنا المثلية في أصل المصاحبة؛ لأن (معَ) تدلُّ على المصاحبة الكلية، وأما الباءُ تدلُّ على المصاحبة الجزئية، إذن لا يَستويان في الدلالة؛ لأنّ (مع) أصلاً وفي وضعها الكلي المراد بها الكلية، وأما الباء فلا، ليس المراد ذلك، في الأصل المصاحبة، فلا يُنافي أن مدلول (مع) المصاحبة الكلية الملحوظة لذاتها، ومدلول الباء المصاحبة الجزئية الملحوظة لغيرها؛ فرقٌ بينهما، وبمعنى (مع) نحو: ((قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ)) [النساء:170]، يعني: مع الحق، بعتكَ الثوبَ بطِرازه، يعني: مع طرازه، اهبِطوا بسلام، يعني: مع سلام.
مِثْلَ مَعْ وَمِنْ: يعني: ومثل (مِن)، إذن: هنا استُعمِل حرفٌ بمعنى ظرف، واستُعمِل حرفٌ بمعنى (من)؛ لأن (مع) هذه ظرف، وَمَعَ (مَعْ) فِيهَا قَلِيلٌ سيأتي، حينئذٍ مِثْلَ (مَعْ): استُعمِلت الباء هنا بمعنى ظرف، واو المعية .. المصاحَبة، واستُعمِلت مثل (من) التي للتبعيض ليست مطلقاً، إنما المراد بـ (من) هنا من التبعيضية، " شَرِبْنَ بِمَاءٍ البَحْرِ"، يعني: منه، من ماء البحر: ((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)) [الإنسان:6]، إذا لم نقل بالتضمين، ((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)) [الإنسان:6] عَيْنًا يَشْرَبُ أو منها؟ الثاني: منها، إذن: لا إشكال.