إذن قوله: وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ (رُبَّهُ فَتَى) نَزْرٌ، إذن جرُّ رب للضمير نقول هذا نزرٌ، وقد يراد كلام الناظم وهو الذي حمله ابن عقيل عليه نزر يعني قليل, والقليلُ هذا مختلف فيه هل يصحّ القياس عليه أم لا؟ يعني مُحتمل أن يقال بالقياس, والأولى عدم القياس, وإذا عُبّر بنَدَرَ هذا مقطوع بأنه لا يقاس عليه, (ربه فتى) هذا الضمير يلزم المجرور به الإفراد والتذكير والتفسير بتمييزٍ بعده مُطابِق للمعنى, فيقال: ربّه رجلاً وربه رجلين وربه امرأة وربه رجالاً، يعني يلزم حالة واحدة إفرادًا وتثنيةً وتذكيراً والتفسير بتمييز بعده مُطابق للمعنى، ماذا تريد بالضمير؟ مفرد مذكر، تقول ربه رجلاً، ماذا تريد امرأة؟ تقول ربه امرأة، تأتي به مذكرا كما هو، يلزم الإفراد والتذكير ولا يُثنى ولا يُجمع إلا باعتبار المعنى (ربه رجالاً أكرمتهم) مثلا، هذا على مذهب البصريين, فيُقال ربه رجلاً وربه امراة استغناء بمطابقة التمييز للمعنى المراد, وهذا مذهب البصريين, وجوّزَ الكوفيون مطابقة الضمير لفظاً نحو (ربها امرأة) و (ربهما رجلين أو امرأتين) و (ربهم رجالاً) و (ربهن نساء) ونحو ذلك, جوّزوا مُطابقة الضمير للمميز, وهذا استندوا فيه على السماع .. بعض الأبيات التي نُقلت, وهنا يجب ذكر باب التمييز بخلاف باب نعم وبئس لقوة العامل هناك وضعفه هنا، هنا ضعيف لا يجوز حذف التمييز, وأما في باب نعم وبئس فسيأتي معنا أنه يجوز.
وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى نَزْرٌ كَذَا كَهَا، قلنا كذاكها أي قد جرّت الكاف ضمير الغيبة قليلاً, وأما قوله: وَنَحْوُهُ أَتَى، هذا مختلف في تفسيره على ثلاثة أقوال، ما مراده به؟ قيل يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون إشارة إلى بقية ضمائر الغيبة لأنه قال (ربه) , وقال (كها) .. مثّل بضمير الغيبة، هل هو خاص بضمير الغيبة وقد مشى على ذلك المكودي في شرحه أم أراد ما هو أعم من الغيبة فيدخل فيه المخاطب وَنَحْوُهُ؟ قال: وَنَحْوُهُ أَتَىيعني نحو الضمير المذكور، حينئذٍ تكون الإشارة هنا .. الإحالة إلى أي شيء؟ إلى بقية ضمائر الغيبة المتصلة كما في كـ (هو) وكـ (هن).
الاحتمال الثاني: أن يكون إشارةً إلى بقية الضمائر مُطلقاً, هذا الوجه الذي قدّمته قبل قليل؛ أن يكون إشارة إلى بقية الضمائر مطلقاً، أي سواء كانت ضمائر غيبة أو تكلم أوخطاب, هذا أو ذاك أوذاك, مُتصلة أو منفصلة؛ كلّه جاء في لسان العرب.
وقد شذ دخولُ الكاف على ضمير المتكلم والمخاطب، قال: كـ (ها) ضمير الغيبة؛ هل سُمع الخطاب والمتكلم؟ نعم سُمع, لكنه قليل كقول الحسن:
أنا كَكَ وأنت كَي، -كِي كَي تُفتح وتكسر-، -أنا كَكَ هذا لا يوجد من يقوله-، وأما دخوله على ضمير الرفع نحو: ما أنا كـ (هو) وما أنا كـ (أنت)، وما أنت كأنا، هذه كلها ألفاظ تُحفظ ولا يُقاس عليها، وعلى ضمير النصب نحو: ما أنا كإياك وما أنت كإياي، نقول دخلت الكاف على الضمائر كلها بأنواعها الثلاثة: الغيبة والتكلم والخطاب، فجعلَه في التسهيل أقل من دخولها على ضمير الغيبة، ولذلك نصَّ هنا على ضمير الغيبة فحسب كـ (ها).