أما المعنى اللغوي: فهو الثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
وفي الاصطلاح عندهم، الحمد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد أو غيره، وهذا التعريف فيه نظر؛ لأنهم قيدوا الحمد في مقابلة الإنعام فحسب، فيحمد الله تعالى على هذا التعريف في مقابلة إحسانه، فالصفات المتعدية التي لها تعلق وارتباط بالخلق يحمد عليها، وأما الصفات الذاتية كالحياة والكبرياء فهذه لكونها غير متعدية بالخلق هذه لا يحمد عليها، ولذلك قالوا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً! فإن لم يكن منعماً كاتصافه باستوائه على عرشه لا يحمد على هذه الصفة؛ لأن هذه الصفة غير متعدية للخلق، وهذا ضعيف.
ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الحمد: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، محاسن: هذا يشمل الصفات الذاتية اللازمة والصفات الفعلية، سواء كانت متعلقة بالخلق على جهة الإكرام والجود والإحسان، أم لم تكن كذلك، وهذا عام وهو أولى بالترجيح.
أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ: هنا نطق بالجملة الفعلية، وهل هي مراداً من حيث المعنى أم لا؟ نقول: فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية المضارعية، والجملة الماضوية من حيث الدلالة على التجدد والاستمرار، فالجملة الفعلية المضارعية تدل على الاستمرار التجددي، بمعنى: أن هذا الشيء الذي علق بالفعل المضارع مطلوب استمراره وحصوله ووجوده مرة بعد أخرى، ولذلك اختار المصنف هنا رحمه الله هذه الجملة: أحمد ربي، لماذا؟ لأن الرب بمعنى: المربي، وإذا كان مربياً فآلاؤه ونعماؤه لا تزال تتجدد وقتاً بعد وقت، فناسب هذه الآلاء أن يأتي بصيغة تدل على التجدد والحصول مرة بعد أخرى.
وأما الماضوية فهذه لا تدل على هذا المعنى .. لا تدل على الاستمرار أصلاً، ولا تدل على التجدد بمعنى: حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وإنما تدل على التجدد بمعنى: الحصول بعد العدم، قام زيد: لم يكن قام ثم قام أليس كذلك؟ لكن هل هذا القيام مستمر وقت بعد وقت وحال بعد حال؟ الجواب: لا.
الجملة الاسمية تدل على الاستمرار، لكن لا تدل على التجدد الذي هو بمعنى حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وكلا المعنيين ثابت بغلبة الاستعمال على الصحيح عند النحاة، ولذلك جاء حديث: {إن الحمد لله نحمده} لو كان اللفظ الثاني: نحمده، بمعنى: قوله إن الحمد لكان حشواً، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون في كلامه ما هو حشو، لكن نصرف الجملة الأولى: إن الحمد، يعني: هذا الحمد مستمر، ولذلك علق بلفظ الجلالة الجامع للمعاني والصفات العليا.
إن الحمد لله نحمده .. نعلق هذا الوصف أو الحمد بماذا؟ بآلائه ونعمائه؛ لأنها قابلة للتجدد.
أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ: ربي الله، الله ما إعرابه؟ نقول: هذا بدل أو عطف بيان، وكل ما جاز إعرابه بدلاً جاز إعرابه عطف بيان إلا ما استثني كما سيأتي.