إذن الرجسُ والأوثانُ بمعنى واحد, بأن يكون المجرورُ بها الذي بعدَها يتلوه هو المبين بها عينُه, الرجس عينه الأوثان والأوثان عينها هي الرجس, والمراد هنا أن التمييزَ بيَّنَ جنس المميز, إذا قلت: عندي عشرون, عشرون ماذا؟ هذا يحتمل مثل ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ)) [الحج:30] عشرون كتاباً؛ بيتاً؛ ألفاً؛ مليوناً؟ يحتمل هذا وذاك, إذا قلت عندي عشرون كتاباً, كتاباً هذا مثل ((مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] حينئذٍ حصلَ به البيان, فأُدِّي به ما أُدِّي بـ (من) التي لبيان الجنس, هذا المراد بكون التمييز على معنى (من)؛ يعني يُؤدّى به أو يُفسّر به ما يُفسّر بـ (من) وليس المراد أن (من) مُضمرة, أو أنه مُضمّن معنى (من) لا, ليس المراد, وإنما المراد كالظرف, نقول: الظرف يُلاحظ فيه معنى الظرفية, عندنا ظرف وعاء ومظروف، هذا المعنى موجود في الظرف، لا يشترط فيه أن يؤتى بـ (في) أو نقول في مقدرة أو اللفظ مضمن معنى في، لا, وإنما يُراد به أن التركيب هنا على معنى الظرفية, وهنا التركيب على معنى (من) البيانية، كما قلتَ هناك ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] فسَّرتَ ورفعتَ الإبهام الذي في الرجس بقولِك الأوثان، حينئذٍ الأوثان هي عين الرجس والرجس هو عين الأوثان, عندي عشرون, عشرون ماذا؟ هذا مُبهَم فإذا قلت: كتاباً, الكتاب هو عين العشرين, والعشرون هي عينُها الكتب, حينئذٍ نقول هذه جرت على معنى (من) التي لبيان الجنس, والمراد هنا أن التمييز بيَّنَ جنس المميز كما أن (من) البيانية تُبيِّن ما قبلها, وليس المراد بأن (من) مقدرة قبل التمييز, وسيأتي معنا أنك قد تُظهِر لفظ (من)، هذا وجه جائز لكنه من جهة اللفظ .. النطق: وَاجْرُرْ بِـ (مِنْ) إِنْ شِئْتَ, لكن لفظاً وليس المراد أنها منوية، لا؛ المراد بها لفظاً لأن المعنى واحد، إذا حذفت (من) صار التركيب على معنى (من)، وإذا ذكرت لفظ (من) حينئذٍ خرج عن كونه تمييزاً من حيث النصب إلى الجر.
إذن: اِسمٌ صريح .. خرجَ به الجملة وما عطف عليه.
بِمَعْنَى مِنْ هذا جار ومجرور مُتعلّق بكائن صفة لاسم, يعني يُعتبر فصلاً, والفصول عند أرباب التعاريف تُعرَب نعتاً بعد نعت, يعني: لا يكون كلُّ فصل نعتاًً لما قبله, وإنما ترجعُ إلى الجنس؛ لأن الإخراج يكون من الجنس.
بِمَعْنَى (مِنْ) أي أنه يُفيدُ معناها لا أنها مُقدَّرة في نظم الكلام, إذن: مرَّ معنا هذا الباب الثالث الذي يُقال فيه بأنه على معنى كذا, نؤول الظرف على معنى (في) الظرفية, وكذلك الحال في حال كذا, وهذا الباب الثالث وهو التمييز, وليسَ المراد بالأبواب الثلاثة أن هذه الحروف مُضمّنة في الأسماء بعدها, وإنما المراد أن التركيب يُفسَّر على آحاد هذه الحروف.
بِمَعْنَى (مِنْ) أي: أنه يُفيدُ معناها، لا أنها مُقدَّرة في نظم الكلام, إذ قد لا يصلح لتقديرها, كما هو الشأن في (في) الظرفية مع الظرف وفي مع الحال.