سبقَ أنه قال: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا قلنا: يشملُ اسمَ التفضيل؛ لأنه صفة، لكنها لم تُشبه الفعلَ المتصرف، وإن كانت فيها معنى الفعل وحروفه، إلا إنها لا تقبلُ علامة الفرعية بإطلاق، وإن قبلتها بقيدٍ. استثناء من ذاك أنه قد يعملُ اسم التفضيل لكن بقيد، وهو الذي ذكرَه الناظمُ هنا، وَنَحْو: هذا مبتدأ، مُسْتَجَازٌ هذا خبره، لَنْ يَهِنْ هذا خبر بعد خبر، زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ عَمْروٍ مُعَاناً هذا المثال، أَنْفَعُ ما نوعها؟ أَنْفَعُ صفة مشبهة؛ اسم فاعل؛ اسم تفضيل؛ أفعل التفضيل؟ أفعل التفضيل زَيْدٌ: مبتدأ، ومُفْرَدٌ: حال، وأَنْفَعُ: خبر، ومِنْ عَمْروٍ: مُتعلّق بأنفع، ومُعَاناً: حالٌ من عَمْروٍ، زَيْدٌ: مبتدأ، مُفْرَداً: حال من الضمير المستكن في أَنْفَعُ, (أَنْفَعُ) فيه ضمير مستكن، مُفْرَداً: حال منه، والعامل إذن في مفرداً؟ ما العامل فيه؟ العامل في صاحب الحال وهو الضمير المستكن هو العامل في الحال، إذن العامل في الضمير المستكن أَنْفَعُ هو نفسه اسم التفضيل، هو عينُه العامل في مُفْرَداً، وهنا تقدّمت الحال على اسم التفضيل، مِنْ عَمْروٍ: هذا مُتعلّق بأنفع، مُعَاناً: حال من عَمْروٍ. أصل التركيب (زيد أنفع في حال كونه مُنفرداً من عمرو في حال كونه مُعانًا)، وإنما كان (أَنْفَعُ) عاملاً في الحالين: لأن صاحبَ الحال الضمير المستكن وعمرو، كلاهما مُتعلّقان بأنفع، كلاهما متعلقان يعني: معمولان بأنفع، حينئذٍ جاءت الحال من صاحبي حالٍ العامل فيهما (أنفعُ)، حينئذٍ يكون العامل صاحب الحال هو العامل في الحال.
إذن اتحدا؛ الحال المتقدمة (مفرداً) والحال المتأخرة (معاناً) اتحدا في كون العامل فيهما هو أنفع، والشاهد هنا ليسَ في معانا؛ لأنه مُتأخّر، هذا جاء على الأصل، الشاهد هنا في مُفرداً، كيف تقدم على (أنفع) وهو اسم تفضيل؟ قيل: استُثنيت هذه الحالة بالضابط الذي ذكره النحاةُ، وهو أن يقع اسمُ التفضيل مُتوسِّطاً بين حالين، أن يقعَ أفعلُ التفضيل مُتوسّطاً بين حالين من اسمين متحدي المعنى أو مختلفين، مُتحدي المعنى أن يكون ثَمَّ تفضيلُ شيئ في حال على نفسه في حال أخرى، زيدٌ قائماً أحسنُ منه قاعداً، هنا التفضيلُ بين شخصين أو بين شخصٍ في حالين؟ الثاني، شخص واحد، زيدٌ قائماً أحسنُ منه قاعداً، فالحالان هنا من زيد في الحقيقة، حينئذٍ نقول: هنا اتحدا من حيث المعنى، وأما (زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ عَمْروٍ مُعَاناً) فنقول: الحالان هنا من شخصين مختلفين.