إذن؛ الجامدُ لا تتقدّم عليه الحال، واحترز بقوله: بِفِعْلٍ صُرِّفَا منه. ما أحسنه مقبلاً، (مقبلاً) لا يجوز أن يتقدم على (أحسن)، ولا على (ما)؛ لأنه فعل جامد وهو غير متصرف، فلا يُتصرّف في معموله. أو صفة تشبهُ الجامد أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، والصفة التي أشبهت الجامد، يعنون بها أفعل التفضيل .. اسم التفضيل، نحو هو أفصحُ الناسِ خطيباً، نقول: خطيباً هذا حال والعامل فيه أفصح، لا يجوزُ أن يتقدّم، مع كون أفصح هذا فيه معنى الفعل وحروفه، فصُحَ حينئذٍ نقول: هذا فيه معنى الفعل وحروفه، مع ذلك لا يتقدم؛ لكونه لم يقبل علامة الفرعية بإطلاق، فوُجِد فيه القيد الأول وهو كونه مُتضمّناً لمعنى الفعل مع حروفه، وبقيَ القيد الثاني وهو عدمُ قبول العلامات الفرعية مطلقاً؛ لأنه لا يقبلُ التأنيث والتثنية والجمع؛ إلا في حالين اثنين، وهما إذا حُلّي بـ (أل) أو أضيف، وما عداه فيلزمُ الإفراد؛ كذلك اسم الفعل، وهذا واضح لأنه قيده بفعل أو صفة، واسم الفعل ليس بفعلٍ ولا صفة، اسم الفعل مثل: نزالِ مسرعاً، نزالِ قلنا: فيه معنى الفعل وحروفه، حينئذٍ نقول: هل تتقدّم الحال عليه؟ هو ينصبُ الحال، ليس الكلام فيما ينصب الحال لا، اسمُ الفعل ينصب الحال، محلّ وفاق، نزالِ مسرعاً يعني: انزِلْ مسرعاً، وحينئذٍ نقول: مسرعاً: حال من الفاعل المستتر وجوباً في نزالِ، وهو اسمُ فعل، هل تتقدّمُ الحال عليه مسرعاً نزالِ؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن ما جازَ تقديمه ما كان فعلاً مُتصرّفاً أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، ونَزالِ اسم فعل ليس بفعل ولا بصفة، وحينئذٍ لا تتقدّم عليه الحال. أو عاملاً معنوياً، وهو ما تضمّنَ معنى الفعل دون حروفه، وهذا سينصُّ عليه الناظم:
وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّرَاً لَنْ يَعْمَلاَ
كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ ... ... .......................................
وهذا كما سيأتي في البيت الآتي.
إذن: الفعلُ الجامد والصفة التي أشبهت الجامد واسم الفعل والعامل المعنوي هذا مما يلزمُ فيه تأخيرُ الحال، وهي ستّ مسائل سيأتي النص عليها.
وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
أطلقَ الناظمُ هنا: بِفِعْلٍ صُرِّفَا، أطلقه يعني: كل فعل مُتصرّف جازَ تقديمُ الحال عليه، وهذا ليس بسديد؛ لأنه قد يعرِضُ عليه ما يمنعه من تقديمِ الحال عليه، وذلك كما إذا دخلت عليه لامُ الابتداء أو لامُ القسم أو أن يكون العاملُ صلةً لحرف مصدري، في هذه الأحوال الثلاثة يُعتبَر الفعل المتصرف ممنوعاً من تقدّم الحال عليه.