(بِكَثْرَةٍ) قوله: بِكَثْرَةٍ دلَّ على أنه غير مقيس؛ يعني يُحفَظ ولا يُقاس عليه، وهو رأي سيبويه والجمهور. دلَّ على أنه غير مقيس وأنه خلاف الأصل؛ لأن الأصل لا يُقال فيه قليل وكثير. إذا النحاة عبّروا بالقلة والكثرة دلّ على أنه غير موافق للأصل وإنما يُقال فيه مقيس وغير مقيس، هذا الأصل فيه، وأما إذا قيل ندر، وقيل قليل أو كثير قالوا هذا خلاف الأصل.

وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ لمَ قيّدَ المصدر بكونه منكراً؟ هل هو احتراز عن المعرّف؟ هل ورد المعرف وهو مصدر حال في لسان العرب؟ نقول نعم؛ له مفهومه وهو معتبر، وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ مفهومُه أن وقوع المصدر المعرف حالاً قليل في لسان العرب وهو كذلك. إذن مُنكَّرٌ نقول أرادَ به الاحتراز عن المعرف؛ لأنه ليس بكثير، وهو أراد ضبط المصدر الذي يقع حالاً بكثرة، وأما ما عدا الكثرة فهو راجع إلى القلة، وذلك ضربان –نوعان- المصدر المعرّف الذي وقعَ حالاً هذا على نوعين؛ أولاً: علم جنس كقولهم: جَاءَتِ الْخَيْلُ بَدَادِ؛ كحذامي، هذا حال وهو علم جنس للتبديد بمعنى التفرق، جاءت الخيل مُتفرّقة مُتبددة يعني، مبنيٌّ على الكسر كحذامي، ووقع حالاً لتأوله بوصف، وهو قولهم مُتبدّدا. إذن علمُ جنسٍ كبدادِ وهو كحذامي مبنيّ على الكسر، نقول جَاءَتِ الْخَيْلُ بَدَادِ أي متبددة يعني متفرقة.

الثاني: أن يكون معرفا بـ (أل)؛ ليس بعلم جنس، وإنما معرفاً بـ (أل)؛ كالشاهد المشهور: أرسلها العراكَ, العراكَ دخلت أل عليها، حينئذٍ نقول هو مؤوّل بنكرة؛ أي معتركة، وزِيدَ عليه المعرف بالإضافة (جاء زيد وحدَه) أي منفرداً.

إذن وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ احتراز من المعرف فإنه وقعَ في لسان العرب لكن بقلة، وهو في نوعين علم جنس كبدادِ، وجاء كذلك في النوع الثاني معرف بأل أو الإضافة.

وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ كقولك زيد طلع بغتة أي باغتاً.

قال ابنُ عقيل حقُّ الحال أن يكون وصفاً .. هذا الأصل فيها أن يكون وصفاً، وهو مادلَّ على معنى وصاحبه يعني الذات؛ كقائم وحسن ومضروب؛ فوقوعها مصدراً على خلاف الأصل، إذا جاءت مصدر لم تدل على الذات بل دلّت على معنى، وحيئنذٍ يكون على خلاف الأصل. إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى، وشرط الحال أن تكون نفسَ صاحبها في المعنى. لا بد من ذلك .. شرطُ الحال -وهو زاده ابن هشام في الأوضح- أن تكون الحال نفس صاحبها في المعنى، حينئذٍ يكون مُكرراً مبهماً، جاء زيد راكباً هذا دلَّ على الذات وهو زيد السابق، ثم زاد عليه وصف، وهو الدلالة على الركوب، وقد كثُر مجي الحال مصدراً نكرة، ولكنه ليس بمقيس لمجيئه على خلاف الأصل، وأجاز المبرد القياس عليه في النوع لا مطلقاً، نحو جاء زيد سرعة، يعني ما كان نوعاً من الفعل أجازَ المبرد قياسه، وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية؛ حينئذٍ يكون مفعولاً مطلقاً والعامل فيه محذوف من لفظ المصدر؛ بغتةً زيد طلع؛ طلع زيد بغتةً؛ يبغت بغتةً، حينئذٍ صارَ مفعولاً مطلقاً والعامل فيه محذوف، فيبغتُ عندهم هو الحال لا بغتة، و (جاء زيد ركضاً) أي يركض ركضاً، و (قتلته يصبر صبراً) فالحال عندهم الجملة لا المصدر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015