قيلَ هذا الأولى تقديمه على قوله: (وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً)؛ لماذا؟ لأن المصدرَ جامد وإذا كان كذلك فالأصل أن يقول: (كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا) ثم يقول: (وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ) هذا الأصل فيه، لكنه فصلَ بينه وبين ما سبقَ في الجمود بقوله: (وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً).

وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ ما هو المصدر؟ الاسم الجاني على الحدث وهو دالٌّ على معنىً فقط لا يدل على ذات. إذن تخلّفَ فيه شرطٌ؛ وهو كونه ليس بوصف، الأصلُ في الحال أن تكون وصفاً مشتقّا دالّةً على ذات ومعنى، المصدر لا يدلّ إلا على معنى (قتل؛ ضرب؛ مشي؛ أكل؛ شرب) هذه كلها لا تدلّ إلا على معاني (عدل؛ فسق) نقول هذه كلها لا تدل إلا على معنى، ولا تدل على الذات، فالأصل حينئذٍ لا يوصف بها الذات؛ لأن الأصل في الحال أن تكون هي صاحب الحال في المعنى؛ إذا قيل جاء زيدٌ راكباً, راكباً هذا دلّ على ذات؛ زيدٌ ذات أو لا؟ ذات، وراكباً دلّ على ذات، إذن أُعيدت الذات لكنها مُبهمة في ضمن الحال، إذن هي نفسها صاحب الحال وزيادة، إذا قلت جاء زيد راكباً, راكباً هذا دلّ على ذات؛ ما هي هذه الذات؟ هي نفسها صاحب الحال؛ دلت على صاحب الحال وزيادة؛ ما هي هذه الزيادة؟ وصفه بالركوب. إذن الأصل في الحال أن تكون مُتضمّنة لصاحب الحال، طيب إذا قيل: طلع زيد بغتة .. فجأة، هذا ليس دالاً على الذات، حينئذٍ كيف تكون الحال مُتضمّنة لمعنى متضمناً لصاحب الحال؟ امتنع ذلك.

وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ

قيل هذا البيت الأولى تقديمه على البيت السابق لأن المصدر من الجوامد مما يُؤوّل بمشتق، وَمَصْدَرٌ يعني جامد لأنه يدلّ على حدث فقط، وَمَصْدَرٌ هذا مبتدأ، مُنكَّرٌ هذا صفة له، وهو المسوغ للابتدا بالنكرة، يَقَعْ: الجملة خبر، وحَالاً حالٌ .. حَالاً إعرابه حالٌ، إذن حَالاً هذا حالٌ متقدّمة على يقع، وهو حالٌ من الفاعل الضمير المستتر. يَقَعْ سماعاً مطلقاً عند سيبويه، وبِكَثْرَةٍ هذا متعلق بقوله يَقَعْ، ومنه قوله تعالى: (فَادْعُوهُ خَوْفاً) أي خائفين، خَوْفاً وَطَمَعاً أي طامعين. إذن وقعَ المصدر حالاً في القرآن، وكثير هذا، (فَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) خَوْفاً إعرابه أنه حال، وَطَمَعاً معطوف عليه؛ لأنه إذا تعددت الحال .. شرطُ إعرابِ الثاني حالاً أن لا يُعطف عليه بواوٍ؛ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ: كقولك: (زيد طلع بغتةً) بَغْتَةً: فعلة من البَغت؛ يعني أن يفجأك بشيء، زيد طلع بغتةً أي فجأةً، وجاء زيدٌ ركضاً؛ وقتلته صبراً، وهو عند سيبويه والجمهور على التأويل بالوصف. زيدٌ طلع بغتةً أي باغتاً؛ تأويل بالوصف؛ يعني نؤوّله باسم فاعل أو اسم مفعول، طلعَ زيد بغتةً أي باغتاً، وجاء زيد ركضاً أي راكضاً، وقتلته صبراً أي مصبوراً، وهذا يؤوّل باسم مفعول؛ قتلته أي المقتول فهنا صبراً حال من المفعول؛ أي مصبورا: يعني محبوساً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015