النعت إنما يؤتى به لتقييد المنعوت فحسب، ولا علاقة له بالعامل، ثَمَّ انفصال بين النوعين، هذا معنى دقيق، يحتاج إلى تأمل، وخاصةً إذا كان ينبني عليه أحكام .. إنما يؤتى به لتقييد المنعوت فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما يفهمه بطريق اللزوم؛ لأنه مبين للهيئة قطعاً، ما نستطيع أن ننفي نقول: جاء رجل راكب, راكب ليس مبيناً للهيئة؛ لأن الحال مبين للهيئة لا، نقول: فيه بيان وإيضاح وكشف للهيئة لكن بطريق التبع والضمن، لا بطريق القصد، على العكس من الحال, وإنما يُفهمه بطريق اللزوم، والمراد بالإفهام عند الإطلاق الإفهام القصدي؛ لأنه المتبادر لا الإفهام العرضي الذي يكون تابعاً.
مُفْهِمُ فِي حَالِ: هنا كذلك أخرج التمييز، وإن كان التمييز أمره واضح بين، سيأتي في محله: الفوارق بين الحال والتمييز.
أبرز ما يفصل بينهما أن الحال على معنى في، والتمييز على معنى من، إذاً فرق بينهما، ولذلك الحال إذا قلت: جاء زيد راكباً، يعني في حال ركوب، تقدرها هكذا بكلمة حال، ولذلك النحاة دائماً إذا أعربوا الحال قالوا: في حال كونه كذا، لا بد أن تأتي بحال؛ لأنه هيئة، فحينئذٍ إذا قلت: جاء زيد راكباً يعني: جاء زيد في حال ركوبه، جئت بفي، بخلاف التمييز فإنه يكون على معنى من، وابن هشام رحمه الله تعالى جعل الضابط للحال في شرح القطر بأنه ما جاء أو صح إيقاعه في جواب كيف، فكل حال صح إيقاعها في جواب كيف؛ حينئذٍ نعربها حال، نقول: جاء زيد راكباً، كيف جاء زيد؟ راكباً، ضربت اللص كيف؟ مكتوفاً، جاء زيد ماشياً، كيف جاء زيد؟ ماشياً، حينئذٍ ((قَائِماً بِالْقِسْطِ))، ((بِالْقِسْطِ)) قَائِماً نقول: هذا حال، هل يصح إيقاعه في جواب كيف؟ نقول: نعم وليس المراد بكيف هنا كيف المنفية في باب المعتقد؛ لأن كيف هنا المراد به إيضاح وكشف اللفظ فحسب، يعني معنى الصفة لا تكييف الصفة نفسها، فلا يلتبس هذا بذاك، فإذا قيل: دعوت الله سميعاً، كيف دعوت؟ سميعاً، هذا حال، ((قَائِماً بِالْقِسْطِ))؛ قَائِماً نقول: هذا حال وقع في جواب كيف، هل وقعنا في المحذور الذي ينفيه أهل السنة والجماعة من تكييف الصفات؟ نقول: لا، لأننا لم نقصد بهذا التكييف بيان كيفية الصفة، وإنما المراد النظر في الصفة من حيث إثباتها فحسب، نقول: قائماً، صفة، حينئذٍ صفة على أي وجه؟ على كونه حالاً، حينئذٍ جاء لسان العرب بوصف الشيء بكونه على جهة الحالية، وعلى جهة النعتية، حينئذٍ التمييز بين هذا وذاك في اللفظ فحسب؛ لا بأس بأن يقال بأنه الواقع في جواب كيف.
الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... ... مُفْهِمُ فِي حَالِ، يعني: في حال كذا بمعنى هيئة كذا.
كَفَرْدَاً أَذْهَبُ: كَفَرْدَاً أي كقولك: أذهب فرداً, فَرْدَاً هل هو وصف؟ هل هو اسم فاعل .. اسم مفعول .. صفة مشبهة .. ؟ إذاً هو مصدر، إذاً لا بد من تأويله لنرده إلى الوصف، فحينئذٍ نقول: كَفَرْدَاً أَذْهَبُ يعني منفرداً، أذهب في حال كوني منفرداً، فمنفرداً نقول: هذا اسم فاعل، منفرد: انفرد ينفرد فهو منفرد، حينئذٍ نردها إلى الوصف على التأويل كما سيأتي في قوله: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ