السيوطي رحمه الله لم يخرج النعت بقوله: مُنْتَصِبُ، وإنما أخرجه بقوله: مُفْهِمُ فِي حَالِ، والإفهام في حال كذا على نوعين: إفهام قصدي وإفهامٌ تبعي ضمني؛ إفهامٌ قصدي: أن يكون الأصل من إيراد المتكلم للفظ .. أن يكون الأصل كشف هيئة الموصوف الذي هو صاحب الحال، وهذا خاصٌ بالحال، وأما النعت فيكون فيه انكشافٌ ورفعٌ لهيئةٍ، لكن لا بالقصد، وإنما بالتبع، وهذا فرقٌ دقيق بين النعت والحال.
إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ أخرج النعت إذا لم نعتبر النصب قيداً لما سبق، يعني: إذا لم نعتبره فصلاً بأن قال: الحال هو وصفٌ فضلةٌ مفهم في حال، هكذا اعتبره السيوطي؛ لأن مُنْتَصِبُ هذا حكم، وليس بداخل في الحد، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يُخرج به، وإنما يُخرج بالجنس والفصول التي تكون تاليةً بعده، والمرادي جعله فصلاً؛ لأن الحال منصوب لازم، فهذا في قوة الفصل فأخرج به النعت المنصوب كما خرج به النعت المرفوع والمخفوض.
إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ أخرج شيئين: التمييز وأخرج النعت إذا لم نخرجه بالأول.
مُفْهِمُ فِي حَالِ قلنا: هذا على ترك التنوين؛ لأن المضاف إليه محذوف.
مُفْهِمُ فِي حَالِ كذا أي: مبينٌ لحال صاحبه، مُفْهِمُ الإفهام هنا بمعنى البيان والإيضاح والكشف، مبينٌ لحال صاحبه أي الهيئة التي هو عليها، فإن راكباً في: جاء زيد راكباً مفهمٌ في حال الركوب لا في حال مطلقاً، راكباً في قولك: جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال، هل كشف الحال مطلقاً أو بقيد، هل هو كاشفٌ للهيئة مطلقاً أو بقيد؟ إذا قيل: جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال نقول: ليس مطلقاً، لم يكشف هيئة زيد مطلقاً، لماذا؟ لأنه مقيد للعامل، النظر في الحال باعتبارين: باعتبار صاحبها وباعتبار العامل، فحينئذٍ جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال قيدٌ للعامل، وهو المجيء لأن المجيء يقع على نوعين: مجيء الركوب ومجيء بدون ركوب، هنا قيد أو لا؟ قيده، كونه في المعنى صفة لصاحب الحال، نقول: قيده بالركوب دون غيره.
إذاً أثر في جهتين: تأثير بالتقييد في صاحب الحال وتقييد للعامل بكونه على وجهٍ دون آخر، لو قلت: جاء رجلٌ راكبٌ, راكب هنا نقول: هذا وصف لرجل فحسب، وليس له أي علاقة بـ (جاء)، حينئذٍ يصير جاء هذا مطلق، وجاء زيد راكباً، جاء هذا مقيد, هذا يستفيد منها الأصولي هناك في الأحكام الشرعية، فإذا كان العامل مقيداً بالحال حينئذٍ صار مخصصاً، وإذا صار النعت ليس مقيداً للحال حينئذٍ يصير مخصصاً للعامل لا للموصوف.
إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ نقول: مبين لحال صاحبه أي الهيئة التي هو عليها، فإن راكباً في جاء زيد راكباً حال، مفهم في حال الركوب فحسب، الركوب هذا هو الذي أراده بتقييد العامل لا في حال مطلقاً، كما هو شأن النعت، فقوله: في حال كذا، الحال بمعنى الهيئة، وإضافته إلى كذا من إضافة العام إلى الخاص للبيان.