وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ الجرَّ فإنه جائزٌ وإن كان قليلاً، حينئذٍ هل لهما مُتعلَّق؟ إذا جرَرنا بخلا وعدا هل هو مثل: مررتُ بزيدٍ، بزيدٍ نقول؟؟؟: الباء متعلّقة بمرّ؟ هل هي مثلها؟ قيل: نعم يتعلَّقان حينئذٍ بما قبلَهما من فعلٍ أو شبهِه، تقولُ: قامَ القوم خلا زيدٍ، خلا زيدٍ: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: قام، مثلما تقول: مررت بزيدٍ، بزيدٍ: جار ومجرور متعلق بمر، مثله لماذا؟ لأنه حرفُ جرّ، والأصل في حرف الجر إن كان أصلياً حينئذٍ على القاعدة:
لاَ بُدَّ لِلجَارِّ مِن التَّعَلُّقِ ... بِفِعلٍ أَو مَعنَاهُ نَحوَ مُرتَقِي
لا بد للجار الأصلي، أما الزائد والشبيه فلا، وسيأتينا في باب حروف الجر.
الحروفُ ثلاثة أقسام: جرّ أصلي وهذا الذي يحتاج إلى مُتعلّق، وأما الزائد -هذا كما نذكره دائماً: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3] ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) هذه كلّها زائدة والمراد بها التأكيد، ليس لها متعلق، لا نقول: مِنْ بَشِيرٍ جار ومجرور متعلق بـ جَاءَ، لا، بل (من) هنا دخولها وخروجها سواء يعني لا تؤثِّر، لم تنقل الفاعل عن كونه فاعل إلى كونه مجروراً، بخلاف إذا قلت: جاء زيدٌ ثم تقول: مررتُ بزيدٍ، الباء نقلت زيداً من كونه فاعلاً إلى كونه مجروراً بحرف الجر، هنا أثّرت لأنها جاءت في معناها الأصلي، وأما ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] (بَشِيرٍ) هو هو فاعل: ما جاءنا بشيرٌ بالرفع لأنه فاعل، (مِنْ بَشِيرٍ) فاعل أيضاً، فحينئذٍ لم تنقله عن أصله، وحينئذٍ نقول: هذا لا يحتاج إلى مُتعلَّق، خلا زيدٍ نقول: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: قام الذي سبق، يتعلقان حينئذٍ بما قبلهما من فعلٍ أو شبهه على قاعدة حروف الجر؛ إذ موضعُ مجرورِها نصبٌ بالفعل أو شبهه، (مررتُ بزيدٍ) قالوا: زيد هنا في محلّ نصب؛ لأن (مرَّ) هذا من حيث المعنى يتعدّى من حيث المعنى حَدثٌ يتعدّى، لكن لا يتعدى بنفسه فاحتجنا إلى حرف جرّ، وهذا ما سبق في قوله: (وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ). أما ما لا يحتاج: قام زيدٌ، يحتاج إلى تعدِّي؟ قام زيدٌ؟؟؟ بالقيام، جلس عمروٌ، لا يحتاج، أما: جلسَ زيدٌ على الكرسي يحتاج إلى تعدّي لأن الجلوس متعدّي، "قامَ زيد" غير متعدي، "مرَّ زيدٌ" مرّ بمن؟ المرور وقع على من؟ الجلوس وقع على أي شيء؟ إذن لا بدّ من حدثٍ، وهذا الحدث يتعدّى، كونُه لا يتعدّى بنفسه هذا معنى كونه لازماً، حينئذٍ إذا أردنا تعديته إلى مفعوله في المعنى لا بدّ من حرف جر: مررتُ بزيدٍ، إذن زيد في المعنى مفعول به، وهذا الذي عناهُ في المعنى مفعول به، وكذلك: جلستُ على الكرسيِّ، الكرسي هذا مفعولٌ به؛ لأنه وقعَ عليه فعل الفاعل .. ضربتُ زيداً، جلستُ على الكرسي، الكرسي وزيد لا فرقَ بينهما من جهة المعنى، مع كون الكرسي هذا مجرور بـ (على) وزيداً منصوب على أنه مفعولٌ به، والذي أثّرَ في هذا دون ذاك هو الفعلُ ذاته نفسه بالنظر إليه، ذاك مُتعدٍّ وهذا لازمٌ، والتعدي قد يكون اصطلاحاً بمعنى أنه له أثر، وقد يكون من جهة المعنى، فمرّ مُتعدٍ من جهة المعنى، وضربَ مُتعدٍ لفظاً ومعنى.