إذن: مذهبُ سيبويه وجمهورُ البصريين أن (سوى) من الظروف اللازمة، أي: الظروف المكانية، بمعنى: مكان بمعنى: عوض، فمعنى: جاء الذي سواك، في الأصل: جاء الذي في مكانك، أي: حلَّ فيه عِوضُك، ثم توسَّعوا واستعملوا (مكانك وسواك) بمعنى: عوض، وإن لم يكن ثَم حلولٌ فظرفيتُها مجازية، ولهذا لم يتصرَّفا. إذن: مذهب سيبويه أنها لا تخرج عن الظرفية بل تلازمُها، إلا في الشعر، فما جاءَ مما استدلَّ به الناظم قالوا: هذا في الشعر خاصّة، والكلام في النثر لا في الشعر؛ لأنها يُوصَل بها الموصول: جاء الذي سواك، قالوا: ولا تخرجُ عن الظرفية إلا في الشعر، وقال الرماني والعكبري: تُستعمَل ظرفاً غالباً وكـ (غيرٍ) قليلاً، قال ابنُ هشام في الأوضح: وإلى هذا أذهبُ .. قول الرماني إلى أنها تأتي ظرفاً غالباً وكـ (غيرٍ) قليلاً، وما استُشهِدَ به على خلاف ذلك يحتمل التأويل.
تُفارِق (سوى) (غيراً) في أمرين؛ الأول: أن المستثنى بغير قد يُحذَف إذا فُهِم المعنى، نحو: ليس غيرُ، قامَ القومُ ليس غيرُ، ليس غيرَ، ليس غيرَِاً –بالتنوين-؛ يجوز فيها، إذن: حُذِف ما بعدَ (غير) الذي هو المستثنى بها إذا فُهِم المعنى بخلاف سوى.
ثانياً: سِوى تقعُ صلةَ الموصول في فصيحِ الكلام بخلاف غير: جاء الذي سِواك، واكتفينا بها، هذا مثل: جاء الذي عندك، أو في الدار، اكتفينا بها، أين المبتدأ والخبر؟ جاء الذي استقرَّ سواك, إذن: نقدِّر لها فعلاً محذوفاً، فدلَّ على أنها ظرف، هذا عند سيبويه.
إذن: نقول: (سِوى) هذه مثل (غير) عندَ الناظم، وسوَّى بينهما لما ذكرناه من الدليلين أن: قاموا سِواك وقاموا غيرُك بمعنى واحد، المراد به الاستثناء، كذلك ما ورد في الأبيات السابقة من ذكرها مبتدأً وذكرها خبراً وفاعلاً واسم (إن) .. إلى آخره، هذا التصرف التام، هذا معنى التصرف، وإذا كان كذلك هذا ينافي الظرفية.
وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا
وَلِسِوَىً سُوَىً سَوَاءً اجْعَلاَ ... عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ
إذن: هذان اسمان يُستثنى بهما عند الناظم، أما (غير) فمحلُّ وفاق، وأما (سوى) فهذا محلُّ نظرٍ عند سيبويه وغيره، ولذلك قالَ الشارح: وأما سِوى فالمشهورُ فيها كسر السين والقصر (سِوى)، ومن العرب من يفتح سينها (سَواء) ويمدَّ، ومنهم من يضم سينها ويقصر (سُوى) كـ (هُدى)، ومنهم من يكسِرُ سينها ويمدّ (سِواء) بالكسر كـ (بناء)، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف لأنها غريبة وقل من ذكرها، وممن ذكرها الفاسي في شرحه للشاطبية، -هذا طُبع الآن- ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفاً -يعني: ظرف مكان- فإذا قلت: قامَ القوم سوى زيد، فسوى عندَهم منصوبة على الظرفية ليست استثناء مثل (غير)، وهي مُشعِرة بالاستثناء، ولا تخرجُ عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر، واختارَ المصنف أنها كغير فتُعامَل بما تعامل به غير من الرفع والنصب والجر، وإلى هذا أشارَ بقوله السابق.
ثم قال رحمه الله:
وَاسْتَثْنِ نَاصِبَاً بِلَيْسَ وَخَلاَ ... وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ