إذن الأصل فيه أن يكون المضاف إليه المجرور هو الذي يستحقُّ النصب على الاستثناء، ولكن لكونه حلَّ محلَّ الملازم للخفض للجر لا ينفكُّ عنه البتة، حينئذٍ نقول: هذا مثل غلامي، غلامي إذا جاء رفعاً تكون الضمة مقدرة، وإذا جاء نصباً تكون الفتحة مقدرة، وإذا جاء خفضاً تكون الكسرة مقدرة؛ لأنه لزم حالة واحدة، كذلك مجرور (غير) فحينئذٍ ماذا نصنع؟
قالوا: نجعلُ الإعراب على غير.
جُعِل ما يستحقّه من الإعراب المخصوص .. لولا ذلك على غير .. على سبيل العارية، والدليل على ذلك على أن الحركة لما بعدها حقيقة جواز العطفِ على محلّه، يجوز العطف على محلّ المضاف إليه.
وقيلَ منصوبة على الحال عند الفارسي، فتؤوّل بمشتق، أي قام القوم غير زيد، أي مُغايرينَ، لا بد من تأويلها بمشتقّ لأنها حال، مُغايرين لزيد في الفعل، وأُورِد عليه أن مجرورها لا محل له حينئذٍ، وقد نصبوا المعطوف عليه مراعاة لمحله. سبقَ أنه يُعطَف على المجرور عليه باعتبار اللفظ فيجر، ويُعطَف عليه باعتبار المحل .. قد يُرفع وقد يُنصَب على حسب المحل، فحينئذٍ إذا جعلوها حالاً مُغايرين لزيد، وقد عطفوا على محلّها بالرفع، فكيف تكون حالاً؟
إذا قيلَ بأن غير منصوبة على الحالية كما هو قول الفارسي، قلنا عُطِف على محلّ مجرورِ (غير) بالرفع، وعُطِف عليه بالنصب، طيب بالنصب واضح يشترك مع الحال، وبالرفع؟ هذا يدلُّ على أن القول هذا فيه ضعف، وقيلَ: على التشبيه بظرف المكان بجامع الإبهام في كلٍّ.
قال الشارح: استُعمِل بمعنى (إلا) في الدلالة على الاستثناء ألفاظٌ، منها ما هو اسم وهو (غير وسُوى وسِوى وسَواء)، ومنها ما هو فعل وهو (ليس ولا يكون)، ومنها ما يكون فعلاً وحرفاً وهو (عدا وخلا وحاشا)، وقد ذكرها المصنف كلها، فأمّا (غير) وما عُطِف عليه فحكم المستثنى بها الجر، يعني كأنّ إعرابه نُقِل إليها لشغله بالإضافة -إضافتها إليه-، وتُعرَب (غير) بما كان يُعرَب به المستثنى مع (إلا)، كلّ ما أُعطيَ به المستثنى بـ (إلا) من وجوب النصب وجواز الوجهين مع ترجيح الإبدال في المنقطع والمتصل على التفصيل السابق كذلك يُعطى لـ (غير)؛ فتقول: قام القوم غيرَ زيدٍ، غيرَ هذا منصوب على الاستثناء، وحكمُ النصب واجب؛ لأن الكلام تامّ موجب. بنصبِ غير وجوباً، كما تقولُ: "قام القوم إلا زيداً"، بنصب زيد، فتقول: "ما قام أحد غيرُ زيد"، ما إعراب غير؟ بدل .. غير زيد بدل مما سبقَ، بدل بعض من كل، واجب الرفع أو جائزه؟ جائز، لماذا؟ لأنه تامّ منفي، والتامّ المنفي يجوزُ فيه الوجهان: النصبُ على الاستثناء وهو مرجوح، والإبدال بالرفع أو النصب أو الخفض، كما تقولُ "ما قام أحد إلا زيداً"، فتقول "ما قام غيرُ زيدٍ"، ما إعراب غير؟
فاعل، حينئذٍ يكون استثناءً مفرغاً، فترفعُ (غير) وجوباً، كما تقول: ما قام إلا زيدٌ برفعه وجوباً، وتقول: "ما قام أحدٌ غيرَ حمارٍ، أو غيرُ حمار" .. يجوزُ فيه الوجهان عند بني تميم، وعند الحجازيين يتعين النصب، إذن ما قام أحدٌ غيرَ وجوباً عند الحجازين وجوازاً عند التميميين .. بنصب (غير) عند غير بني تميم، وبالإتباع عند بني تميم كما تفعل في قولك: " ما قام أحدٌ إلا حمارٌ وإلا حماراً.