الثالثة أنه يجوزُ أن يُقال: "قام غيرُ زيد"، قامَ فعل ماضي، و (غير) جاءت فاعلا هنا، وهو مُضاف وزيد مضاف إليه، قام غيرُ زيد، وهذا من الاستثناء المفرغ، ولا يجوز "قامَ إلا زيدٌ"، "قام غير زيد" هذا جائز، مع كونه لم يتقدّمه نفي، وأما قام إلا زيدٌ هذا لا يصحّ، إلا على رأي ابن الحاجب، "قام إلا زيد" هذا لا يصحُّ؛ لأنه استثناء مفرغ، ولا يكون إلا بسبقِ النفي، وأما في الإيجاب فالجمهورُ على المنع. ولا يجوزُ قام إلا زيد.
الرابعة: أنه يجوزُ أن يُقال: "ما قام القوم غيرَ زيد وعمرو"، غيرُ وغيرَ بالوجهين ليسَ هذا الشاهد، المراد أن يُقال: "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمروٍ"، بجر عمروٍ، وعمروٍ عطفاً على اللفظ يعني لفظ زيد، وهو مجرور لأنه مُضاف إليه، ورفعُهُ حملاً على المعنى، "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمرٍو"، ويجوز أن يقال: غيرَ زيدٍ وعمرٌو بالرفع، مراعاة لمعنى زيد؛ لأنه في قوّة قولك: ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو، لو قلتَ: ما قام القوم غير زيدٍ، هذا في قوة ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو بالرفع، حينئذٍ ترفع عمرو، فإذا أبدلتَه أو عطفتَه على مجرور (غير) وهو في اللفظ مجرور، حينئذٍ راعيتَ المحل، مِن حيث المعنى وهو مرفوع، ويجوزُ مراعاة اللفظ، إذن الرابع: يجوز أن يقال "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمروٍ وعمرٌو"، بجرِّ عمرو على لفظ زيد ورفعه حَملا على المعنى؛ لأن المعنى "ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو"، ولا يجوز مع (إلا) مراعاة المعنى.
الخامسة والأخيرة: أنه يجوزُ ما جئتُك إلا ابتغاءَ معروفك بالنصب، وأما في (غير) لا، ما جئتُك إلا غيرَ، نقول هذا لا يصح، ما جئتك غيرَ ابتغاء، لا يصحُّ، بل لا بد من إدخال الـ (لام) على غيرِ، فتقول: ما جئتُكَ لغير ابتغاء معروفك.
إذن هذه خمس مسائل مما فارَقَت (إلا) (غير) و (غير) (إلا).
وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا
وإذا نصبنا (غير) حينئذٍ قيل بأن النصبَ على الاستثناء وهذا عليه الجمهور، وقيلَ النصبُ على الحال، وقيلَ النصبُ على الظرفية، وانتصابُ (غير) في الاستثناء كانتصاب الاسم بعدَ (إلا)، في أن نصبَ كلٍّ منهما على الاستثناء وهذا الصحيح، فحينئذٍ إذا قلتَ: "قام القوم غيرَ زيدٍ" قام القوم فعل وفاعل، وغيرَ بالنصب، تقول: غير منصوب على الاستثناء، وهو مُضاف وزيد مُضاف إليه.
إذن نُعرب هنا (غير)، على أنها منصوبة على الاستثناء، ما قام القوم غيرَ زيد، نقول: (غير) هذا منصوب على الاستثناء.
وإن كان العامل فيما بعد (إلا) هو (إلا)، "ما قامَ القوم إلا زيداً" قلنا الناصب له (إلا)، طيب! في باب غير: الناصب له ما قبله من فعل أو شبهه، ما قام، قامَ هو الذي نصَبَ، وفي (غير) ما في الجملة قبله من فعل أو شبهه، وإنما نُصبت على الاستثناء مع أن المستثنى هو الاسم الواقع بعدها؛ لأنه لما كان مَشغولاً بالجر لكونه مضافاً إليه جُعِل ما يستحقّه من الإعراب المخصوص، لولا ذلك على غير، على سبيل العارية، كما ذكرناه سابقاً.