ما بعد (إلا) مُغايِر لما قبلها، فلما كانت غَيْرٍ فيها معنى المغايرة، حينئذٍ حُملت على (إلا) فاستُثني بها وعُدَّت من أدوات الاستثناء، مَجْرُورَاً بـ (غَيْرٍ): اسْتَثْنِ هذا فعل أمر، مَجْرُورَاً هذا مفعول به، بـ (غَيْرٍ) جار ومجرور متعلق بقوله اسْتَثْنِ، مُعْرَبَا هذا حال من (غَيْرٍ)، بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلاَّ نُسِبَا، إذن (وَاسْتَثْنِ) يكون هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، مَجْرُورَاً هذا مفعول به؛ لأن المراد به اللفظ فأفادنا فائدتين أنه يكون مُفرداً وأنه يكون مجروراً، وهو ملازم للجر؛ لأن (غير) ملازمة للإضافة؛ فحينئذٍ صارَ المستثنى مجروراً، وإذا كان مجروراً فحينئذٍ لا يخرج عن القاعدة وهو: وَالثَّانِي اجْرُرْ، بخلاف المضاف فإنه قد يكون مرفوعاً وقد يكون منصوباً وقد يكون مجروراً، وأما المضاف إليه فلا يكون إلا مجروراً، ولذلك أُلتزِم هنا جرُّ المستثنى، وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بـ (غَيْرٍ). إذن مَجْرُورَاً دلَّ على شيئين، الأول كونه مفرداً؛ لأن (غير) لا تُضاف إلى الجمل إلا على قول، وكذلك أنه مُلازم للجرّ؛ ملازم للخفض، بـ (غَيْرٍ) هذا جار ومجرور متعلق بقول: اسْتَثْنِ، استثن بـ (غير) مجروراً، (مُعْرَبَا) هذا حال من (غَيْرٍ)، بـ (مَا) لِمُسْتَثْنًى، نُسِب بـ (ما) بما نُسِب لمستثنى بـ (إلا)، بـ (ما) يعني بالذي، معرباً بماذا؟
بـ (مَا)، (ما) موصولة، جار ومجرور مُتعلّق بقوله مُعْرَبَا، بـ (مَا) لِمُسْتَثْنًى بـ (إِلاَّ) نُسِبَا، بما نُسِب (الألف) للإطلاق، لِمُسْتَثْنًى بـ (إِلاَّ): يعني يُعطى غير حكم (ما) بعد (إلا) من حيث إيجاب النصب ومن حيث الجواز برجحان أو مرجوحية.
فما مرّت من الأحكام المتعلقة بالمستثنى بـ (إلا) في وجوب النصب في نحو قولك: "قام القوم إلا زيداً"، ورجحانه في قولك: "ما قام القوم إلا زيداً"، وفي وجوب الرفع في نحو قولك: "ما قام إلا زيدٌ"، هذه الأحكام كلها التي بعد (إلا) تُعطى للفظ (غير) –للراء-؛ فتقول: ما قامَ القومُ غيرَ زيدٍ وغيرُ زيدٍ، غيرَ وغيرُ، لماذا؟
لأن ما بعد (إلا) لو وقعَ في مثل هذا الكلام لقلت: "ما قام القوم إلا زيداً" بالنصب فتُعطي (غير) النصب، ويجوزُ فيه الرفعُ "ما قام القوم إلا زيدٌ"، كذلك "ما قام القوم غيرُ زيدٍ"، فـ (غير) تُعامَل معاملة ما بعد (إلا).