إن كان مُوجباً كذلك الحكم نفس الأول، وهو وجوبُ نصب الجميع، وإن كان غير مُوجَب حينئذٍ أعطينا واحداً منها كما لو لم تَتكرَّر (إلا)، إن كان مُتصلاً جازَ فيه الوجهان والإتباع أولى، وإن كان مُنقطعا حينئذٍ وجبَ النصبُ عند الحجازيين وجازَ إبدالُه عند التميميين، وما عدا هذا الواحد المختار سواء كان أولاً أو ثاني أو ثالث، ما عداه نصبَ الجميع؛ يُنصَب.
وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ ... نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ
وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كما قالَ هنا مُعرباً بما يقتضيه الحال، كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائَدِ عليها، كَـ" لم يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي "، وَحُكْمُهَا أي حكم المستثنيات سوى الأول في القصد حُكْمُ الأَوَّلِ، القصد، أي المعنى المقصود من إدخالٍ وإخراجٍ حُكْمُ الأَوَّلِ، فإن كان مُخرَجاً لورودِهِ على مُوجب فهي مخرجه، وإن كان مدخلاً لورودهِ على غير مُوجَب فهي أيضاً مُدخلة.
قال ابن عقيل: ومعنى قوله وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ .. إذن الأبيات كلها المراد بها حكم المستثنيات المكرّرة بالنظر إلى اللفظ، انْصِبْ .. جِيءْ؛ إلى أخره، هذا في اللفظ فقط، وأما في المعنى فمرادُه بالشطر الأخير من جهة الإدخال والإخراج أن ما يتكرَّر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الأول فيُثبَت له ما يُثبَت للأول من الدخول والخروج، ففي قولك: "قام القوم إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً"، الجميع مخرج؛ لأنه لا يمكن أن يستغني بعضها عن بعض، يعني لا يمكنُ أن نقول زيد نُخرِج منه عمرو، وبكر نُخرِجُ من عمرو، لا يمكن هذا، لا تتداخل، بخلاف عشرة اثنين أربعة .. إلى أخره هذه تتداخل، لهذا نقول: الجميع مخرجون.
وفي قولك ما قام القوم إلا زيداً إلا عمرًا إلا بكراً، الجميع داخلون .. ما تعرّض لملسألة الثانية وقد ذكرناها فيما سبق، ثم قال -رحمه الله-:
وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا
انتهينا من (إلا)، قلنا: الأدوات من حيث الجملة -التقسيم رباعية؛ منها ما هو حرف ومنها ما هو اسم ومنها ما هو فعل ومنها ما هو مُتردّد بين الفعلية والحرفية.
وهذا عندَ التفصيل ثمانية، ذكرنا (إلا) وهي حرفٌ باتفاق، ذكرَ هنا (غَيْرٍ) و (سوى)، وهذان اسمان، أما (غَيْرُ) فمحل وفاق، وأما (سِوَى) فهذه ظرف عند سيبويه.
قال وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً إذن المستثنى ليس دائماً يكون منصوباً، ولذلك قلنا يذكرون المستثنى في باب المنصوبات في بعض أحواله لا مُطلقاً، ليس كلّ مستثنى يكون منصوباً، بل قد يكون مجروراً، وقد يكون منصوباً لا على الاستثناء، مثل خبر ليس ولا يكون، حينئذٍ نقولُ وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً .. كيف صار المستثنى مجروراً؟
نقول: الاستثناء هنا باعتبار المعنى؛ لأن غَيْرٍ في الأصل هي صفة، يُوصَف بها، وتدلُّ على مُغايرة ما بعدَها لما قبلها، جاءَ القوم غيرَ زيد، دلَّت على أن ما بعدها مُغايِر لما قبلها، هذا الأصل فيها أن تكون صفة، وتُحمَلُ على (إلا) فيستثنى بها؛ لأن الاستثناء فيه نَوع مُغايرة، وهذا صحيح .. قام القوم إلا زيداً، مُغايرة أو لا؟