* حكم (إلا) إذا تكررت للتوكيد
* حكم (إلا) إذاتكررت لغير توكيد
* حكم المستثنى بـ (غير) ـ
* فائدة الفرق بين (إلا وغير) وأوجه نصب (غير) بين النحاة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
أما بعد:
سبقَ الحديثُ عن أحوال (إلا) من وجوب النصب، والحالة الثانية من رجحان الإتباع على النصب، الحالة الثالثة وهي التي أشار إليها بقوله:
وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا
أو عَدِمَا، يجوز فيه الوجهان، وهذا الاستثناء المفرغ، وهو أن يكون الكلامُ غيرَ تامٍ، يعني لا يذكر فيه المستثنى منه -يحذف-، ثم حينئذٍ تكون (إلا) مُلغاة وجودها وعدمها سواء، ثم يُسلَّط العامل ما قبلَ (إلا) على ما بعد (إلا) فيرفعُهُ فاعلاً إن كان يطلب فاعلاً، وينصبُه مفعولاً إن كان يطلبُ مفعولاً، ويجرّه بحرف جر ويدخلُ عليه مباشرة.
النُّحاةُ حكموا بأنه يصحُّ التفريغُ لجميع المعمولات بالأصالة إلا المصدر المؤكَّد، فلا يجوزُ: ما ضربتُ إلا ضرباً، قالوا هذا لا يجوزُ، لماذا؟
لكونه مصدراً مؤكَّداً، هذا المشهور، وبعضهم زاد الحال والتمييز، وأما قوله تعالى: ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32] هذا مصدر مؤكَّد، كيف نقولُ لا يُفرَّغ العامل للمصدر المؤكَّد ثم نقول: يقول تعالى: ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32]؟
قالوا: هذا مؤول قيل التنوينُ للتعظيم، حينئذٍ يكون مُبيِّناً للنوع لا مؤكِّداً، ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32] ظناً عظيماً، حينئذٍ صارَ التنوين للتعظيم، إذا ًصار موصوفاً وإذا صار موصوفاً خرجَ عن كونه مصدراً مؤكِّداً، والمنع إنما يتحققّ أو يَنصَبُّ على المصدر المؤكَّد.
وقيل (إلا) مؤخَّرة من تقديم والأصل وقوعُها قبل العامل، إن نحن إلا نظنُّ ظناً، إذن لم يكن من تفريغِ العامل للمصدر.
وأما قوله تعالى: ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] قيل هذا استثناء مُفرَّغ، وظاهرهُ إيجاب، وشرطُ الاستثناء المُفرَّغ أن يكونَ منفيِّاً، ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] يقال: هذا ظاهره استثناء مفرغ وهو إيجاب، قالوا: كذلك هذا مُؤوَّل، لم يرد الله، ويأبى الله: أي لم يرد الله إلا أن يتمَّ نوره إذن الأصل في الاستثناء المفرغ أن يكون منفياً، وهذا قول جمهور النحاة، والعلَّةُ كما ذكرناها سابقاً، أنه يستحيلُ عادةً أن يقول: ضربتُ إلا زيداً، حينئذٍ يصدقُ الضرب على كل الناس إلا زيد، ورأيتُ إلا زيداً؛ يعني رأيت الناس كلهم إلا زيداً، وهذا محال أن يرى كلَّ الناس ويستثني زيداً، يمكن زيد أنه لم يراه، لكن كل الناس يراهم نقول هذا بعيد.