لِمَا بَعْدُ: يُفَرَّغْ لما بعدُ يعني: بعد (إلا) إذاً: بَعْدُ وهذا مبنيٌ على الضم، وإذا أردنا كشفه وإرجاع المضاف إليه لما بعده أي: بعد (إلا) أو بعد السابق، جوزه بعضهم، إذاً: (لِمَا) نقول: هذا متعلق بقوله: يُفَرَّغْ، بَعْدُ: هذا صلة ما، يعني: للذي بعدُ، يَكُنْ السابق كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا، (مَا) هذه مصدرية، و (لَوِ) مصدرية، والمصدري لا يلي المصدري، فإما أن نقول: (ما) زائدة أو (لو) زائدة واحد منها، لأن (ما) مصدرية لا يتلوها حرف مصدري مثلها، حينئذٍ (ما) زائدة أو (لو) أصلية، (ما) أصلية (لو) زائدة واحد منها.
(ما) هنا يجوز أن تكون مصدرية و (لو) زائدة، ويجوز العكس أي: يكن كعدم (إلا) كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا .. أي: يكن كما لو عُدم (إلا) يعني: كعَدم (إلا) أي: كذي عَدَمِ (إلا) في الحكم، يعني: لا في الوجود؛ لأنها ملفوظٌ بها، وإنما المراد به الحكم.
وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا بَعْدُ، يعني: لما بعد (إلا)، يَكُنْ لما بعد (إلا) وهو: الاستثناء من غير تمام، قسيم قوله سابقاً: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ، يَكُنْ كَمَا، يكن أي: السابق، كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا، يعني: كعَدم إلا، فأجرِ ما بعدها على حسب ما يقتضيه حال ما قبله من إعرابٍ، ولا يكون هذا الاستثناء المفرَّغ إلا بعد نفيٍ أو شبهه؛ لأنه يمتنع أن يقال: قام إلا زيدٌ .. رأيتُ إلا زيداً هذا ممتنع في العادة، إذا قال: قام في الإيجاب، يعني: لماذا النحاة اشترطوا في الاستثناء المفرَّغ أن يكون بعد نفي، ولا يتصور وجوده في الإيجاب؟ إلا على رأي ابن الحاجب في مسائل مستثناة.
لو قال قائل: قام إلا زيدٌ معناه: قام كل الناس إلا زيد، رأيت إلا زيداً يعني: رأيت جميع الناس إلا زيداً وهذا متعذر، ما يمكن أن يقال: رأيت كل الناس إلا زيداً، ولذلك اشترطوا أن يكون .. أن يصح الكلام ويصح الاستثناء، ولذلك ابن مالك شرط في حد الاستثناء: أن يكون مفيداً، فلو لم يكن مفيداً قال: لا يسمى: استثناءً، خرج عن لسان العرب، ومثَّل لذلك بقوله: قام القوم إلا ناساً، نقول: هذا ليس استثناءً؛ لأنه ليس فيه فائدة، قام القوم إلا رجلاً، قال: هذا ليس فيه فائدة، وإن كان نوزع في هذا.
إذا استثني بـ (إلا) وكان الكلام غير تام: وهو الذي لم يُذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل لـ (إلا) بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها، ويسمى: استثناءً مفرَّغاً، وشرطه: كون الكلام غير إيجابٍ، بل يكون مسبوقاً بنفيٍ أو شبهه، ومنعوا وقوعه بعد الإيجاب لامتناع: ضربتُ إلا زيداً في مجرى العادة، إذ معناه: ضربتُ جميع الناس إلا زيداً، بخلاف: ما ضربتُ إلا زيداً، هذا فيه نفي وحصر، نفي الضرب عن غير زيد، هذا يمكن أن يقول: ما ضربت الناس، ما ضربتُ إلا زيداً يمكن، ما ضرب أحداً إلا زيداً، لكن: ضربت إلا زيداً، يعني: ضرب كل الناس ما ترك أحد إلا زيد، هذا بعيد! فجوِّز الأول دون الثاني:
وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا