وزعم أنه مذهب سيبويه والمُبَرِّد، وهذا معنى قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، أنه ينتصب الذي استثنته (إلا) مع تمام الكلام إذا كان موجباً، سواءٌ تقدم المستثنى أو تأخر .. سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجَبٍ وهو المشتمل على النفي أو شبهه، والمراد بشبه النفي النهي والاستفهام، فإما أن يكون الاستثناء متصلاً أو منقطعاً، وعرفنا أن المتصل: هو ما كان مستثنى من جنس المستثنى منه، يعين: بعضه، والمنقطع: ما كان مستثنى من غير جنس المستثنى منه، هذا من باب التيسير، وإلا الأصح أن يُقال: الاستثناء المتصل: أن يُحكم بنقيض الحكم على ما بعد (إلا)، يعني: بنقيض الحكم السابق، بشرط أن يكون من جنسه: هو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولاً، لأن ثَمَ إشكال:
إذا قيل: بأنه لا يكون استثناءً متصلاً أو منقطعاً إلا باعتبار ما كان من الجنس أو عدمه: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى)) [الدخان:56] هذا من أي الأنواع، منقطع أو متصل؟ من قبيل قام القوم إلا زيداً، موت وموت .. موت شيء واحد، قيل وقيل، لذلك وقع نزاع بين العلماء، قيل: متصل وقيل منقطع، والصواب أنه منقطع، لماذا؟ لأن المراد هنا الحكم على ما بعد (إلا) بنقيض ما حكمت عليه أولاً، ماذا حكمت على الأول؟ (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) عدم الموت هذا الحكم، (إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى) الموت، هذا خلاف، أو نقيض؟ هذا خلاف وليس بنقيض، ويشترط في صحة الاستثناء المتصل: أن يكون الحكم على ما بعد (إلا) نقيضاً ليس خلافاً، لماذا؟ لأن المستثنى منه هنا هو عدم الموت في الآخرة، ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ)) [الدخان:56] ونقيض عدم الموت في الآخرة هو ذوقه في الآخرة، ونقيض ذوقه في الدنيا عدم ذوقه في الدنيا والآن التقابل حصل بماذا؟ عدم ذوقه في الآخرة لكونهم ذاقوه في الدنيا، إذاً: هذا خلاف وليس بنقيض، إذ لو قال: لا يذوقون فيها إلا الموت، ثم أثبت الموت في الآخرة حصل التناقض، إذاً: نقيض عدم ذوقه في الدنيا ذوقه في الدنيا لا في الآخرة، لأن عندنا اعتبارين: آخرة ودنيا، كلاهما منفصلان، في الدنيا موت، ذوقه وعدم ذوقه: نقيضان، في الآخرة: ذوقه وعدم ذوقه نقيضان، إذا جعلت المقابلة بين ذوق وعدم ذوق بين دنيا وآخرة خلافان ليسا بنقيضين، ولذلك الصواب أن يُقال: الاستثناء المتصل هو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولاً، وهنا حكمت على الجنس، الموت هو الموت واحد لا يتعدد، هو خروج الروح من الجسد، حينئذٍ هنا نقول: لا يذوقون فيها الموت إلا الموت، ظاهره على التعريف المشهور: أن الاستثناء المتصل ما كان بعضاً أو جنساً من جنس المستثنى منه، نقول: هذا استثناء متصل، لكن نقول: لا بد من اجتماع أمرين:
أن يكون من الجنس، وزيادةً على ذلك: المخالفة في الحكم، بأن يكون المحكوم عليه المستثنى بنقيض لا خلاف .. نقيض ما حكمت عليه قبل (إلا) وهذا لا يتوفر في الآية.
وغيره منقطعٌ، وهو صادق بأمرين –المنقطع-، إذاً: المنقطع أن تحكم على غير الجنس ما حكمت عليه أولاً أو بغير نقيضه، فيشمل صورتين -المنقطع-: