لأن الفاعل في الحقيقة هو محذوف أحد، فهو مُذَكَّر لذلك لا يجوز تأنيثه، تأنيث: ما قام إلا هندٌ، كتأنيث: قامت زيدٌ، وهذا لا يصح، حينئذٍ: ما قام إلا هندٌ، هذا أصله ما قام أحدٌ إلا هندٌ، فهندٌ بدلٌ من الفاعل المحذوف، وليست هي الفاعل حتى نقول: يجوز فيه الوجهان، هذا التركيب نقول: قد يكون مفرَّغاً حقيقةً إذا لم يُذْكر المستثنى منه، وقد يكون تقديراً فيما لو ذُكِرَ والأصل فيه حذفه أو لم يفد فائدة، مثل لو قال: ما رأيت أحداً إلا زيدٌ، لأن أحداً مبدلٌ منه، والمبدل منه في نية الطرح، وإنما لم تعمل الجر، إذا قيل: (إلا) لماذا عملت الاستثناء –النصب- والأصل فيما اختص أن يعمل الجر؟

لأن عمل الجر بحروفٍ تضيف معاني الأفعال إلى أسماء وتنسبها إليها، و (إلا) ليست كذلك، فإنها لا تنسب إلى الاسم الذي بعدها شيئاً بل تخرجه من النسبة، فلما خالفت حروف الجر لم تعمل عملها، والأحسن أن يُقال: إنما لم تعمل الجر لموافقتها الفعل في المعنى، كأنه قال: أستثني، ولذلك لفظ: أستثني عند الأصوليين من أدوات الاستثناء، بخلافه عند النحاة:

حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ ... ... ... مْنِ فِعْلٍ الاسْتِثْنَاء وَمَا يُضَارِعُ

حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ: أستثني، هذا من المخصصات عند الأصوليين، لكن عند النحاة لا، إذاً: لما ضُمِّنت أو دلت (إلا) على معنى الفعل حينئذٍ عملت النصب، كما هو الشأن في؟؟؟ حرفٌ ضُمِّنَ معنى الفعل فنصب، ما هو؟ (إنَّ) النواسخ، قلنا: (إنَّ) عملت النصب لماذا؟ الأصل أنها تعمل الجر، لكن لما أشبهت الفعل لفظاً ومعنًى في اللفظ لأنها على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة إلى آخره، ومعنًى: أُؤكد .. أُشَبِّه .. أستدرك، إلى آخره، لما أشبهته في المعنى عملت النصب، وإلا الأصل في الحرف إذا اختص باسمٍ أن يعمل الجر، إذا عمل النصب أو الرفع لا بد من سؤال: لماذا خرج عن الجر؟

والغالب في مثل هذا النوع: أنه يدل على معنى الفعل، فهنا: قام القوم إلا زيداً، في قوة قولك: قام القوم أستثني زيداً، إذاً: دلت (إلا) على معنى: أستثني، ويؤكد هذا أن الأصوليين عَدَّوْا استثني، من المخصصات:

حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ ... ... ... مْنِ فِعْلٍ الاسْتِثْنَاء وَمَا يُضَارِعُ

إذاً: الأحسن أن يُقال: إنما لم تعلم الجر لموافقتها الفعل في العمل.

إذاً: الصحيح أن المستثنى منصوب بـ (إلا) فقط، ليس بالفعل استقلالاً، ولا بالفعل بواسطة (إلا)، ولا بـ (أستثني) محذوفاً، فالمذاهب أربعة، الصواب ما ذكرناه، وهو ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى هنا وفي غير هذا الكتاب، لأنه قال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ نسب إليها الاستثناء، ثم قال: وَأَلْغِ إِلاَّ، دل على أن (إلا) هي العاملة.

قال: والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة (إلا)، هذا رأي ابن عقيل رحمه الله تعالى، واختار المصنف: أن الناصب له (إلا) لكن نسبه في غير هذا الكتاب، وهذا ليس بظاهر، بل الظاهر أنه حتى في هذا الكتاب اختار أن (إلا) هي الناصبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015