قال ابن عقيل: " والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة (إلا) " يعني: الفعل، واختار المصنف في غير هذا الكتاب: أن الناصب له (إلا) بل الظاهر أنه في هذا الكتاب كذلك أن الناصب له (إلا) لأنه قال هنا: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، وسيأتي: وَأَلْغِ إِلاَّ ذَاتَ تَوْكِيدٍ يعني: ألغ إعمالها، فدل على أن ابن مالك رحمه الله تعالى يرى أن (إلا) هي الناصبة، هذا الظاهر.
قام القوم إلا زيداً، زيداً: هذا منصوب بـ (إلا) وليس منصوباً بالقوم، وهذا إذا نظرنا إلى المعنى السابق: قولٌ متصلٌ يدل على أن المذكور معه غير مراد بالأول، نقول: هذا يؤيد أن النصب إنما يكون بـ (إلا) لا بالفعل، لماذا؟ لأن المعنى الذي قبل (إلا) هذا مهجور، قام القوم: فيه إثبات القيام للقوم، إلا زيداً: فيه نفيٌ، إذاً: حصل نفي القيام عن زيد بـ (إلا) لا بالفعل، والذي يحصل به التأثير في المعنى هو الأصل أن يكون عاملاً، ولذلك الأرجح أن يُقال: بأن المستثنى منصوب بالحرف نفسه (إلا) لماذا؟ لأن المعنى الذي هو الاستثناء حصل بها، ثم من جهة النفي والإثبات لأنه يُثبت لما بعد (إلا) نقيض حكم ما قبلها، نقول: الأصل في العامل السابق ألا يكون له تأثير، لأن قام زيداً، كيف يؤثر فيه والقيام منفي عن زيد، لو قال: قام زيدٌ، زيدٌ متصفٌ بالقيام الذي دل عليه قام، أما قام القوم إلا زيداً، زيداً: هذا مُخرَجٌ كليةً من المستثنى منه الذي أضيف إليه القيام ومن الحكم، ُحينئذٍ يكون الأولى أن يكون الناصب له (إلا) وهذا ظاهر كلام الناظم رحمه الله تعالى.
وقيل: الناصب هو الفعل الواقع قبل (إلا) باستقلاله دون واسطة إلا، وقيل: بواسطة (إلا)، وقيل: فعلٌ مقدر استثني، وهذا ضعيف، قام القوم أستثني زيداً، لماذا ضعيف؟ لأنه كما سبق -القاعدة حتى نكون مطردين-: إذا أمكن تعليق العمل بملفوظ لا يُعدَل عنه إلى محذوف، ومن قال بأنه بالفعل بواسطة (إلا) أقرب إلى الصواب من قوله: بأنه بمحذوف، والصواب أن نقول: أنه بـ (إلا).
واختار المصنف أن الناصب له (إلا) لأنها حرفٌ مختصٌ بالأسماء وهذا هو الصواب، غير مُنَزَّل مُنَزَّلة الجزء، يعني: ليس كـ (أل) أل: هذه إذا دخلت على الاسم نُزِّلت مُنَزَّلة الجزء منه، والحرف المختص بالاسم قد يُنَزَّل مُنَزَّلةَ الجزء، وقد لا يُنَزَّل مُنَزَّلةَ الجزء، إذا نُزِّلَ مُنَزَّلةَ الجزء لا يعمل البتة .. يُهمل، لماذا؟ لأنه صار جزء الكلمة، كالزاي من زيد، وإذا كان كذلك حينئذٍ بعض الشيء لا يعمل فيه .. جزء الشيء وبعضه لا يعمل فيه، كما قيل في أحرف المضارعة هناك: يضرب مرفوعٌ بالياء، العامل فيه الياء أحرف المضارعة، نقول: لا، هذا ضعيف، لماذا؟ لأن أحرف المضارعة صارت جزء من الفعل، وجزء الشيء لا يعمل فيه، بدليل تخطي العامل لها: لم يضرب، دخل العامل (لم) ثم الياء عامل هي في نفسها، والأصل فيها أن (لم) يظهر إعرابها أو طلبها على الياء، فلما ظهر على آخر الفعل دل على أن الياء مُنَزَّلة مُنَزَّلةَ الجزء من الكلمة.