إذاً قوله: انْتُخِبْ إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ أفَهَم أن النصب جائز، وقد قرئ في السبع: ((مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) [النساء:66] ((وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)) [هود:81] إِلَّا امْرَأَتَكَ بالنصب، وَلا يَلْتَفِتْ: هذا شبه نفيٍ، وهو نهي، ((وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)) [هود:81] هذا تامٌ، المستثنى منه مذكور، وهو مسبوقٌ بشبه النفي بالنصب.

وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ: قيل تميم لم يجوزوه هكذا مطلقاً وإنما شرطوا في جواز الإبدال عندهم: أن يمكن تسليط العامل على المستثنى، إذا أمكن أن يسلط العامل على المستثنى جاز فيه الإبدال، وإلا فوافقوا الحجازيين في وجوب النصب، إذاً: وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ بشرط إمكان تسليط العامل على المستثنى، فإن لم يمكن وجب النصب اتفاقاً، نحو: مَا زَادَ هَذَا المالُ إلاّ مَا نَقَصَ، ما: هذه مصدرية، هل يصح أن يُقال: زاد نقص؟! لا يصح، إذاً: لا يصح أن يسلط العالم على ما بعد (إلا) فوجب النصب عندهم، وما نفع زيدٌ إلا ما ضرَّ، ما: مصدرية، حينئذٍ تكون مؤولة مع ما بعدها بمصدر، نقول: هذا واجب النصب عند تميم، لأنه لا يقال: نفع ضر، نفع ضر هذا لا يجتمعان.

إذ لا يقال: زاد النقص ولا نفع الضُر، وحيث وجد شرط الإبدال فالأرجح عندهم النصب أيضاً، إذا وجد شرط الإبدال حينئذٍ لا يستويان كذلك، بل الإبدال يكون مرجوحاً والنصب يكون أرجح.

إذاً: وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ نقول: بشرط أن يمكن تسليط العامل على ما بعد (إلا) فإن أمكن حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الإبدال والنصب، والنصب أرجح.

قال الشارح: " حكم المستثنى بـ (إلا) النصب إن وقع بعد تمام الكلام الموجب سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، نحو: قام القوم إلا زيداً " زيداً: هذا مستثنًى من القوم، وهو من جنسه، فدل على أنه متصل، ثم هو كلامٌ تام ذُكِر المستثنى منه، وهو كلامٌ موجب لم يسبقه نفيٌ ولا شبه النفي، إذاً: وجب نصب زيد، وضربت القوم إلا زيداً، ومررت بالقوم إلا زيداً، لماذا عدد الأمثلة؟ الرفع والنصب والجر، وأيضاً يحتمل أنه أراد أن يبين المستثنى منه في الكلام التام قد يكون مرفوعاً، وقد يكون منصوباً، وقد يكون مجروراً، وقام القوم إلا حماراً، وضربت القوم إلا حماراً، ومنه الآية السابقة: ((فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) [البقرة:249] كلام موجب، ومررت بالقوم إلا حماراً، فزيداً في هذه المُثُل منصوبٌ على الاستثناء، وكذلك حماراً.

الناظم قال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، وعرفنا أن المستثنى بعد (إلا) منصوب، فحينئذٍ ما العامل فيه؟ ظاهر كلام الناظم أن العامل هو (إلا) لأنه نسب الاستثناء إلى (إلا)، وهذا وإن كان شيئاً معنوياً إلا أن الأصل في الحرف إذا أثر في المعنى وكان ثَمَ عمل أن يكون العمل منسوباً إليه، هذا هو الأصل، كالشأن في حروف الجر لما عَدَت معاني الأفعال إلى الأسماء، حينئذٍ أثرت في المعنى فاختصت بالجر، هذا الأصل فيها: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015