إذاً (في) ضُمِّن معنى (في) دون لفظها، فإن نطق به فحينئذٍ نقول: خرج عن كونه ظرف زمان.
بِاطِّرَادٍ عرفنا ماذا أراد به، باطراد ما أعرابه؟ ضمِّن معنى (في)، ثم هذا -مضمن معنى (في) - قد يكون في كل تركيب، وقد لا يكون، إذاً متعلق بقوله: ضُمِّنَا، ضمِّن باطراد معنى (في)، فإن ضمن معنى (في) لا باطراد كـ: سكنت الدار، وسكنت الشام نقول: هذا ليس بظرف زمان، وليس بظرف مكان، إذاً المراد هنا بِاطِّرَادٍ متعلق بقوله: ضُمِّنَا، كأنه قال: ضمِّنا باطراد معنى (في) احترازاً مما ضمن معنى في لا باطراد، وهو ما ذكرنا فيه المذاهب الثلاثة.
كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا، امْكُثْ هُنَا، ما إعراب هُنَا؟ ما نوعه؟ هو يريد أن يمثل إلى أي شيء؟ وَبِهُنَا أوْ هاهُنَا أشِرْ، هُنَا قلنا: اسم موضع، إشارة إلى موضع مكان، إذاً اسم مكان، ضمن معنى (في)، يعني (في) هنا، لا تصرح فيها (في هنا)، وإنما يلاحظ فيها معنى الظرفية، فحينئذٍ نقول: هُنَا منصوب على الظرفية المكانية؛ لأنه اسم مكان ثم ضمن معنى (في) وبِاطِّرَادٍ، وجد فيه الحد بكامله.
أَزْمُنَا: أزمناً جمع زمان، والزمان هذا اسم زمان، ولكنه هنا ظرف زمان؛ لأنه اسم زمان ضمن معنى (في) باطراد، مع كل فعل.
امْكُثْ في أزمن، فالزمان باعتبار تعدده هنا يكون محلاً للمُكث، كما أن المكان الموضع يكون محلاً للمُكث، فالمُكث الذي هو فعل الفاعل يكون المكان له وعاء، هنا في هذا الموضع، كذلك الزمان يكون له وعاء.
اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا
هُنَا: هذا اسم مكان، وأَزْمُنَا: اسم زمان انتصبا على الظرفية الزمانية والظرفية المكانية.
قال الشارح: عرَّف المصنف الظرف بأنه زمان أو مكان ضمن معنى (في) باطراد، نحو امكث هنا أزمنا، فـ هُنَا ظرف مكان، وأَزْمُنَا ظرف زمان، وكل منهما تضمن معنى (في)، لأن المعنى امكث في هذا الموضع، وفي أزمن، وإذا قيل: تضمن معنى (في) سبق معنا هناك:
كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا ... والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا
قلنا: الشبه المعنوي أن يتضمن الاسم معنى حرف، فكان موجباً للبناء، وهنا إذا قلت: هُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا تضمن معنى (في) وهو حرف، اسم تضمن معنى حرف، فالأصل فيه أن يكون مبنياً، هل هذا إلزام أما لا؟ إذا قلنا: ضمن معنى (في)، إذاً اسم تضمن معنى الحرف، ومتى الاستفهامية اسم تضمن معنى همزة الاستفهام، ومتى الشرطية اسم تضمن معنى إن الشرطية، وهَلُمَّ جَرًّا، وهنا اسم تضمن معنى (في) الظرفية، وأَزْمُنَا اسم تضمن معنى (في) الظرفية، الجواب: أنَّ تضمن معنى الحرف إنما يكون موجباً للبناء في البناء اللازم، وهذا سبق معنا أن ثَمَّ فرقاً بين اللازم والعارض، العارض كالمبني (يا زيد) نقول: زيد هذا ليس مبنياً في الأصل، وإنما دخلت عليه ياء فبني، إذاً صار منادى، هذا عارض، كذلك سيأتينا في باب الإضافة، أنه قد تبنى بعض الألفاظ باعتبار المضاف إليه فاكتسب البناء منها، مثل حين، سيأتي معنا.