وشروطه خمسة: كونه مصدراً، فلا يجوز: جئتك السمن والعسل، كونه قلبياً عند كثير من المتأخرين، كالرغبة ونحوها، فلا يجوز: جئتك قراءة للعلم، ولا: قتلاً للكافر، القتل من أعمال الجوارح، وأجاز الفارسي: جئتك ضرب زيد، يعني لتضرب زيد، ثالثاً: كونه علة غرضاً كان كالمحبة أو غير غرض، مثل: قعد عن الحرب جبناً، رابعاً: اتحاده بالمعلَّل به وقتاً، فلا يجوز: تأهبتُ السفرَ، خامساً: اتحاده بالمعلَّل به فاعلاً، فلا يجوز: جئتك محبتُك إياي، فهذا لا يجوز أن ينصب على أنه مفعول له.
ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: المَفْعُولُ فِيهِ وهُوَ المُسَمَّى ظَرْفاً.
ذكر لنا عنوانين، يعني هذا الذي سيذكره له اصطلاحان: مفعول فيه والظرف، وهذا عند البصريين -يسمى المفعول فيه والظرف-، وكذلك سماه الفراء محلاً، فهو كذلك هو محل، لأن يوم الخميس مثلاً وقع فيه الصوم، والأمام وقع فيه الجلوس فهو محل، والكسائي وأصحابه صفة واشتهر عن الكوفيين مفعولاً فيه، وافقوا البصريين في التسمية الأولى، ونازعوا في تسميته ظرفاً، لهم علل.
وقدمه على المفعول معه هنا، لقربه من المفعول المطلق، لكونه مستلزماً له في الواقع، إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، لأن المفعول المطلق قلنا: هو في الأصل حدث، مصدر، ضربت ضرباً، إذاً هذا أقرب إلى الفعل؛ لأنه أحد جزئي الفعل، والحدث يستلزم محلاً يقع فيه إما مكاناً وإما زمناً، بل الفعل يدل على الزمن بدلالة التضمن، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، إذاً هو أقرب، يستلزمه الفعل، وما استلزمه الفعل يكون أقرب، لكون مستلزماً له في الواقع، إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، ولأن العامل يصل إليه بنفسه لا بواسطة حرف ملفوظ بخلافه، المفعول معه لا يكون هكذا جرداً بين العامل والمعمول، سرت (وو) والنيل لا يجوز حذف الواو هنا، بل بعضهم رأى أن العامل توصل إلى المعمول بواسطة هذه (الواو)، إذاً ما توصل العامل إليه بنفسه، صمت يوم الخميس دون (واو) هذا أقوى مما توصل إليه العامل بحرف سواء كان مذكوراً أو لا، لكن في المفعول معه لا يجوز حذفه.
المَفْعُولُ فِيهِ: يقال في الضمير ما قيل في المفعول له، وهو -أي المفعول له- المسمى والمعنون له عند النحاة البصريين ظرفاً، فيسمى ظرفاً، وأطلق الظرف، ويشمل نوعيه: ظرف الزمان وظرف المكان، والظرف أخص من اسم الزمان، وأخص من اسم المكان، كل منهما أخص؛ لأن اسم الزمان: كل لفظ دل على زمن، واسم المكان: كل لفظ مدلوله المكان، وأما الظرف لا، بل هو اسم زمان مقيد، وظرف المكان: اسم مكان مقيد، حينئذٍ أراد أن يعرِّف الناظم المقيد دون المطلق؛ لأنه لا التفات إلى اسم الزمان من حيث هو، ولذلك نقول: يوم -لوحدها هكذا- هو اسم زمان، قد يكون ظرفاً وقد لا يكون. إذاً يومٌ أعم من كونه ظرفاً، لجواز انفكاكه عنه، إذا قيل: لفظ يوم يجوز أن يكون ظرفاً، مثل: صمت يوم الخميس، ويجوز أن لا يكون ظرفاً كقوله: ((إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا)) [الإنسان:10] ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] ليس بظرف هنا، فحينئذٍ نقول: ما جاز أن يكون ظرفاً وغيره أعم من مما اختص بالظرف.