كَابْنِي أَنْتَ حقَّا، حقاً هذا مصدر، لو قال: أنت ابني، ابني هذا يحتمل أنه ابني بالفعل، ويحتمل أنه مثل ابني، في الحنو والشفقة والمعاملة، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، إذاً هذه الجملة ليست نصاً في أحد المعنيين، بل هي محتملة لهذا ومحتملة لذاك، إذا قال: أنت ابني حقاً صارت نصاً بأن المراد بالبنوة هنا حقيقية، فليست من باب الشفقة ونحوها، نقول: هذا المصدر حقاً مؤكِّدٌ لنفسه أو لغيره؟ لغيره وهو الجملة، بخلاف السابق فهو مؤكد لنفسه، إذاً المصدر الواقع مؤكداً إما أن يؤكد نفسه، وإما أن يؤكد غيره، وكلاهما شرطهما أن يقعا بعد جملة، لا بد، إلا أن المؤكد لنفسه، أن تكون الجملة نصاً، لا تحتمل غير ما دل عليه المصدر، والمؤكد لغيره، أن يقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فليست نصاً في معنى مدلول المصدر، كَابْنِي أَنْتَ حقَّاًً. وَالثَّانِ، وهو المؤكد لغيره، وهو ما وقع بعد جملة لها محتمل غيره فتصير به نصاً، كَابْنِي أَنْتَ حقَّاً، ابْنِي هذا خبر، وأَنْتَ هذا مبتدأ، وحقَّاًهذا مفعول مطلق، حُذف عامله وجوباً؛ أحُقُّه حقاً أي: المذكور، كما حذف هناك: أعترف اعترافاً أو عرفاً، صِرْفَاً هذا نعت للمصدر، حينئذٍ صار مبيناً للنوع أي خالصاً، وسمي بذلك -مؤكداً لغيره-؛ لأنه أثر في الجملة بخلاف الأول لم يؤثر في الجملة، عُرْفَاً ما أثَّر في الجملة؛ لأن الجملة لا تحتمل غيره، فإنما جيء به من باب تأكيد نفسه، وأما الثاني فهو أثَّر في الجملة؛ لأنه أثَّر في الجملة فكأنه غيرها؛ لأن المؤثِّر غير المؤثَّر فيه، والمؤثَّر فيه هو الجملة، والمؤثِّر هو المصدر.
قال: فالمؤكد لنفسه: هو الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عُرْفَاً، أي: اعترافاً، اسم المصدر عرفاً، والمصدر اعترافاً، فاعترافاً مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير: أعترف اعترافاً، لماذا وجب حذفه؟ لأنه صار مؤكداً لنفسه، ما ضابطه؟ وقوعه بعد جملة لا تحتمل غيره، ويسمى مؤكداً لنفسه؛ لأنه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، بمعنى أنها لا تحتمل سواه، وهذا هو المراد بقوله: فَالْمُبْتَداَ، أي: فالأول من القسمين المذكورين في البيت الأول، والمؤكد لغيره: هو الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فتصير بذكره نصاً فيه: أَنْتَ ابْنِي حقَّاً، فحقاً مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير أحقه حقاً، وسمي مؤكداً لغيره؛ لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره .. إلى آخره.
كَذَاكَ ذُو التَّشْبِيهِ بَعْدَ جُمْلَهْ ... كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ
هذا الموضع السادس مما يجب فيه حذف عامل المصدر، إذا كان المصدر المراد به التشبيه (المصدر التشبيي).
كَذَاكَ ذُو التَّشْبِيهِ بَعْدَ جُمْلَهْ ... كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ