ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكِّدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكَّد، ومما يدل أيضاً على أن ضرباً زيداً ونحوه ليس من المصدر المؤكِّد لعامله، أن المصدر المؤكِّد لا خلاف في أنه لا يعمل، ضربت ضرباً لا يعمل في ما بعده، وهذا الذي معنا هنا ضرباً زيداً، زيداً الصحيح أنه معمول لـ ضرباً المصدر؛ الصحيح أنه معمول له.
واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل، هل يعمل أو لا؟ والصحيح أنه يعمل، فزيداً في قولك: ضرباً زيداً منصوب بـ (ضرباً) على الأصح، وقيل أنه منصوب بالفعل المحذوف وهو اضرب، حينئذٍ ناب عنه في الدلالة على المعنى والعمل معاً، وإذا قيل: بأنه عمل فيما بعده، في المعنى فحسب، اضرب ضرباً زيداً، حذفنا اضرب، ناب عنه ضرباً في المعنى فقط أو في المعنى والعمل؟ ينبني على القول بجواز إعماله أو لا، إن قلنا: يجوز إعماله، فحينئذٍ ناب مناب الفعل في المعنى فحسب، وإن قلنا: لا، لا يجوز إعماله، حينئذٍ ناب منابه في العمل والمعنى معاً، هذا مراده.
إذاً قول ابن الناظم: أنه سهو، سهو منه هو .. وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ.
ثم قال رحمه الله:
وَالْحَذْفُ حَتْمٌ مَعَ آتٍ بَدَلاَ ... مِنْ فِعْلِهِ كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ
هذا شروع في القسم الثالث، وهو ما يجب حذفه، أشار إلى القسم الأول، وهو ما يمتنع حذفه بقوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ، وأشار إلى القسم الثاني، وهو ما يجوز حذفه بقوله: وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ، ثم قال: وَالْحَذْفُ حَتْمٌ، هذا النوع الذي يجب فيه حذف عامل المصدر، يعني يجب حذف عامل المصدر في ستة مواضع، سيذكرها الناظم كلها في الأبيات القادمة.
الموضع الأول: أشار إليه بقوله: وَالْحَذْفُ حَتْمٌ مَعَ آتٍ بَدَلاً ** مِنْ فِعْلِهِ ..
وَالْحَذْفُ مبتدأ، وحَتْمٌ هذا خبر، يعني الحذف واجب، متى؟ مَعَ آتٍ بَدَلاً، والحذف للعامل حتم مع آت بدلاً، مَعَ هذا ظرف متعلق بقوله: حَتْمٌ.
مَعَ آتٍ: مَعَ مضاف، وآتٍ مضاف إليه.
بَدَلاَ حال من الضمير المستتر في آتٍ، آت حال كونه بدلاً من فعله.
مِنْ فِعْلِهِ جار ومجرور متعلق بقوله: بَدَلاَ.
وهذا يقع على نوعين: سماعي وقياسي، بمعنى أنه إذا أنيب المصدر عن العامل، وجب حذف العامل، آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ إذا جاء المصدر قائماً مقام الفعل، حينئذٍ نقول: هذا المصدر قد عوض به عن الفعل، فصار الفعل معوضاً عنه، فلا يجوز الجمع بينهما، فيجب حذف العامل.
قد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه، وهذا نوعان: الأول: ما لا فعل له، نحو ويل زيد، هذا منصوب على المفعولية ولا فعل له، ليس له فعل، ويل كلمة تهديد، وويحه بالنصب على المفعولية، فيقدر له عامل من معناه، نحو قعدت جلوساً، مثل جاوزت زيداً مررت به، يقدر له فعل من معنى العامل.