كذلك إذا قيل: ما جلست؟ تقول: بلى جلوساً طويلاً، بلى جلستين، نقول: هذا كله لوقوعه في جواب سؤال، وكل ما وقع في جواب سؤال، حينئذٍ نقول: يجوز حذف العامل.

قال: وجاز حذف العامل فيما ذكر، لدلالة المصدر على معنًى زائدٍ على معنى العامل، دلالة المبين للنوع والعدد على معنًى زائدٍ على معنى العامل، فأشبه المفعول به فجاز حذف عامله، إذاً حصل له شبه بالمفعول به؛ لأن المفعول به لا يدل على مطلق ما دل عليه العامل، وإنما هو محل لوقوع الحدث، فالمحذوف جوازاً مثل له، ثم قال: وقول المصنف -ابن الناظم اعترض والده قال: هذا سهو، قوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ سهو منه-، ابن الناظم قالوا: وعق أباه في شرح ألفيته، هكذا قيل، اعترضه، أشد الناس على صاحب الألفية ابنه رحمه الله، وهو بياني ونحوي على مستوى، فقالوا: عق أباه -في شرح الألفية-.

قال: قوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ سهو منه؛ لماذا؟ -هو سهو منه هو نفسه ابن الناظم، وليس سهواً من ابن مالك رحمه الله، وإنما هو الذي سها-، ضرباً زيداً قال: ضرباً زيداً، إذا قيل: بأن حذف عامل المؤكد ممتنع، ونحن نقول: ضرباً زيداً ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] ضرباً زيداً أي: اضرب ضرباً زيداً، فهو مؤكِّد له، وهو محذوف، فكيف تقول: أنه يمتنع حَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ؟

قولك: ضرباً زيداً مصدر مؤكد، وعامله محذوف وجوباً كما سيأتي، قال ابن عقيل: ليس بصحيح، يعني قول ابن الناظم في الحكم على الشطر الأول بأنه سهو منه ليس بصحيح، وما استدل به وهم منه، لأن ضرباً هذا ليس مصدراً مؤكِّداً لعامل محذوف، بل مصدر أنيب مناب العامل، ففرق بينهما كما بين السماء والأرض، ضرباً نقول: هذا مصدر أنيب مناب العامل، وليس هو مؤكداً حتى نقول: الأصل اضرب ضرباً.

قال ابن عقيل في الرد عليه: وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد بما سيأتي ليس منه، وذلك لأن ضرباً زيداً ليس من التأكيد في شيء، بل هو أمر خال من التأكيد، ليس من باب التأكيد، بمثابة اضرب زيداً، كأنه قال: اضرب زيداً، حذف اضرب ثم أقيم المصدر مقامه، أين التأكيد؟ ليس فيه تأكيد، وإنما ناب مصدر عن فعله، وهذا لا إشكال فيه، فليس فيه تأكيد؛ لأنه واقع موقعه، فكما أن اضرب زيداً لا تأكيد فيه، كذلك ضرباً زيداً، وكذلك جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شيء؛ لأن المصدر فيها نائب مناب العامل، دال على ما يدل عليه، وهو عوض عنه، ولذلك نقول: لا يجوز ذكره؛ لأن ضرباً عوضاً عن اضرب، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولو قيل بأن: ضربت ضرباً يجوز حذف العامل، حينئذٍ هل يمتنع أن يجتمع معه؟ لا يمتنع، لو قلنا: يجوز ضربت ضرباً، فهل تقول: ضرباً -حُذف عامله-؟ نقول: أنت مخير بين أن تقول: ضربت ضرباً، وبين أن تقول: ضرباً، ولا يمنع من الجمع بين العامل والمعمول، المصدر المؤكد، لكن في هذا المقام ضرباً زيداً لا يصح، فدل على المغايرة بينهما، إذاً تلك مسألة وهذه مسألة أخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015