إذاً المصدر المرادف لمصدر العامل نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق على رأي ابن مالك -رحمه الله تعالى-، قعدت جلوساً، فجلوساً هذا نائب عن المصدر في باب المفعول المطلق؛ لأنه نائب عن مصدر الفعل الموجود، قعدت قعوداً، هذا الأصل، قعدت قعوداً، لم يأت بـ (قعوداً)، وإنما ناب عنه ما هو من معناه دون لفظه، مرادف له في المعنى دون اللفظ، ومنه: "أحْبَبْتُهُ مِقَةً"، مِقَةً هو بمعنى المحبة، مِقَةً، حينئذٍ نقول: مِقَةً هذا مصدر ومِقَ، فحينئذٍ نقول: هذا نائب مناب المفعول المطلق؛ لأن الأصل أحببته محبة، فلم يأت باللفظ المرادف، باللفظ المطابق لمصدر العامل، وإنما جاء بمرادفه، وَافْرَحِ الْجَذَلْ، فالجلوس نائب مناب القعود لمرادفته له، والجذل نائب مناب الفرح، لمرادفته له في المعنى دون اللفظ.
الرابع -ما ينوب مناب المصدر-: اسم الإشارة، نحو ضربته ذلك الضرب، ضربته ذلك، الأصل ضربته الضرب، وهذا سبق معنا أنه من صور المبين للنوع؛ لأنه قال: ضربته الضرب، فأنيب (ذلك) اسم الإشارة مناب الضرب، ثم أبدل أو وصف أو عطف عليه المصدر، وهل هو شرط فيه أم لا؟ محل نزاع، والمشهور: لا، إذاً ضربته ذلك، ذلك نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، الأصل أن يقول: ضربته الضرب؛ لأنه مشار إليه، معرفة، هذا الأصل، ذلك أليس (ذا) من المعارف؟ حل محل الضرب، والضرب هذا مُحلًى بـ (ال)، وهو من المفعول المطلق المبين للنوع.
وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر، فلا بد من وصفه بالمصدر كما مثلنا، وفيه نظر، يعني: لا يشترط أن ينصب بالمصدر، فمن أمثلة سيبويه: ظننت ذاك، -ابن عقيل دائماً يحتج بفعل سيبويه فحسب-، ظننت ذاك، ذاك، هذا مفعول مطلق، أين الحجة؟ أي: ظننت ذاك الظن، فذاك إشارة إلى الظن، ولم ينصب به، وهو مذهب الجمهور، مذهب الجمهور أنه لا يشترط، فلو قال: ظننت ذاك، اكتفينا، لو قال: الضرب، حينئذٍ هذا يعتبر من باب التأكيد بالمعنى.
الخامس: ينوب عن المصدر ضميره، هذا ذكرناه في:
عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ
فإن كانت هاء المصدر قلنا: هذه نائبة عن المفعول المطلق؛ ضربته زيداً، زيداً: هذا بدل من الضمير ضربته زيداً، وليس مفعولاً مطلقاً، المفعول المطلق الضمير، وهذا النائب، ضربته زيداً، زيداً هذا ليس مفعولاً مطلقاً، ليس مفعولاً به بل هو بدل من الضمير، والضمير هذا نقول فيه: نائب عن المفعول المطلق؛ لأنه هاء المصدر، وهاء المصدر هذه لا تدل على أن الفعل متعدي.
إذاً ضميره، قال: ينوب عنه ضميره، ضربته زيداً، أي: ضربت الضرب زيداً، ومنه قوله تعالى: ((لا أُعَذِّبُهُ)) [المائدة:115] أي العذاب ((أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)) [المائدة:20].
السادس: ينوب عنه ما دل على العدد: ضربته عشرين ضربة، لكن يشترط فيه أن يكون له مميز مصدر، عشرين ضربة: ((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)) [النور:4]، أما الثمانين هكذا لا، لا بد من تمييز يكون مصدراً.