فكُلَّ منصوب على أنه مفعول مطلق، وليس من لفظ جِدَّ، لكنه دال عليه لإضافته –انظر- قال: دال عليه، دال على معنى العامل، لإضافته إلى المصدر، الذي هو من لفظ الفعل، ومثله: افْرَحِ الْجَذَلْ، الْجَذَلْ هو الفرح، كأنه قال: افرح الفرح، أو اجذل الجذل، حينئذٍ نقول: هنا وافق عامله في المعنى دون اللفظ، على رأي ابن مالك هذا ليس بمفعول مطلق، وإنما هو نائب عن المفعول المطلق، وعلى رأي الجمهور أن الجذل هذا مفعول مطلق لعامل محذوف من لفظه: افرح واجذل الجذل. إذاً الجذل هذا مثل اضرب ضرباً، حينئذٍ صار مفعولاً مطلقاً، فلا بد من التأويل، أما على جعل الجذل معمولاً لـ: افرح، هنا يرد رأي ابن مالك -رحمه الله تعالى-، هذا على رأي المازني والمبرد.
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ ... كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ
مثل بنوعين، وهو ما أنيب فيه المصدر الموافق للعامل في المعنى دون اللفظ، كالجذل أي: الفرح، وما كان لفظُ كُلَّ مضافاً إلى المصدر، هذان نوعان، ونقول: ينوب عن المصدر ما يدل عليه من الكلية، والبعضية، يعني لفظ كل وما رادفها، ولفظ بعض وما رادفها؛ بشرط إضافتهما إلى المصدر لاكتساب معنى المصدرية من المضاف إليه دون لفظه، كـ: كل، وعامة، وجميع، وبعض، ونصف، وشطر، نقول: هذه كلها إذا أضيفت إلى المصدر، حينئذٍ اكتسبت المصدرية من المضاف إليه، فصح إنابتها عن المفعول المطلق.
مضافين إلى المصدر هذا قيد، الكلية والبعضية، كل ما دل على الكلية والبعضية سواء كان لفظ كل، وما رادفه، كـ: عامة وجميع، ولفظ بعض، وما رادفه، كـ: شطر ونصف، بشرط أن يكونا مضافين على المصدر، نحو: كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وكقوله تعالى: ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] الْمَيْلِ ---هذا مصدر، أضيف إليه كل، وضربته بعض الضرب، إذاً الأول والثاني: الكلية والبعضية.
الثالث الذي ينوب: المصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور، وهو ما مثل له الناظم بقوله: افْرَحِ الْجَذَلْ، فالجذل هذا مفعول مطلق عند الجمهور، ثم في العامل فيه قولان: سيبويه والجمهور على أنه فعل محذوف من لفظ المصدر: افرح واجذل الجذل، ومذهب المازني والمبرد والسيرافي، على أنه بالعامل المذكور، هذا إذا أعربناه مفعولاً مطلقاً، وبعضهم جعله مفعولاً لأجله، وبعضهم جعل المصدر حالاً بتأويل المشتق، والمشهور هو الأول.