إذاً الأصل هو الفعل الماضي، ثم جاء ضرباً نقول: لا، هذا ليس بمطرد، وإنما اصطلح النحاة على أنهم يذكرون المصدر بعد الفعل، وليس بلازم، لو قال: ضربَ ضرباً يضربُ، ضرباً ضربَ يضربُ، يضرب ضرباً ضرب، نقول: هذا كله جائز؛ لأن الأصل الذي اتخذه النحاة من تقديم الفعل الماضي على المصدر، ليس لدلالة على أنه أصل، وإنما للذكر فحسب، أشبه ما يكون بشيء عُرفي عند النحاة فحسب، وإلا لو قدم وأخر لا بأس به، لا نقول: إذا قال: ضرباً ضربَ يضرب، وقع في محذور منكر، نقول: لا، هذا صحيح، وذاك صحيح، وإنما الأولى أن يقدم الفعل الماضي: ضرَبَ يضرِبُ ضَرْباً، الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، وهذا من باب التقريب للمبتدأ: قَتَلَ يقتُلُ قتلاً، جلسَ يجلسُ جلوساً.
إذاً لا بد من الرجوع إلى معرفة أبنية المصادر، فهي مسألة توقيفية يعني: أشياء تحفظ، ويقاس عليها، منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، والقياسي كثير، وفي باب الثلاثي السماعي كثير حتى قيل أنه لا قياسي فيه، نفى بعضهم القياس، وأظُن ابن حاجب على هذا في الشافية، ومر معنا.
إذاً مذهب الكوفيين، أن الفعل أصل؟؟؟، والصحيح المذهب الأول؛ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة للمصدر كذلك؛ لأن كلاً منهما يدل على المصدر وزيادة، فالفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل، هذا أرجح.
تَوْكِيدَاً أَوْ نَوْعَاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ ... كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ
أراد أن يبين لنا بعد ما بين حقيقة المفعول المطلق، ما هي الفوائد والأغراض التي يؤتى بالمفعول المطلق من أجلها؟
قال: ثلاث فوائد: تَوْكِيدَاً، أَوْ نَوْعاً، أَوْ عَدَدْ، إما أن يجاء بالمفعول المطلق ليؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو يبين عدده، إما هذا، وإما ذاك.
كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ قسمهُ إلى ثلاثة أنواع، ومثَّل بمثالين، مثَّل للعدد بقوله: سَيْرَتَيْنِ، وللنوع بقوله: سَيْرَ ذِي رَشَدْ.
قوله: تَوْكِيدَاً هذا مفعولٌ مقدم لقوله: يُبِينُ، (يبين توكيداً او نوعاً)،بإسقاط همزة أو للوزنِ، تَوْكِيدَاً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، يُبِينُ هذا فعل مضارع، وتَوْكِيدَاً هذا مفعول به مقدم عليه، و (أَوْ) حرف عطف، ونَوْعَاً معطوف على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب.
إذاً أول غرض وأول حكمة وفائدة لمجيئنا بالمفعول المطلق، أنه يكون مؤكِّداً، مؤكِّداً لأي شيء؟ يطلق النحاة مؤكِّداً لعامله فتقول: ضربتُ ضرباً، ضرباً هذا مؤكِّد للعامل، وهو الضرب.
توكيداً لعامله، والأولى أن يقال: لمعنى عامله.