فالعامل فيه وصف، وهو مضروب ضرباً، ضرباً هذا مفعولٌ مطلق، والعامل فيه مضروبٌ، وهو اسم مفعول.
يشترط في الوصف الذي ينصب المفعول المطلق شرطان: أحدهما أن يكون متصرفاً، فالجامد لا ينصب مفعولاً مطلقاً، ثانيهما أن يكون اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة، هذه ثلاثة، فإن كان اسم تفضيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلافٍ فيما نعلم، -جوَّزه بعضهم،- وأما قول الشاعر:
أَمَّا المُلُوكُ فَأنتَ اليَوْمَ أَلأَمُهُمْ ... لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ
أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، لُؤْمًا ظاهره أنه مصدر عمل فيه أَلأَمُهُمْ، وهو أفعل تفضيل، فانتصب على أنه مفعولٌ مطلق، هذا الظاهر، والجماهير أو من حكى الإجماع على المنع، يقدره مصدراً لفعلٍ محذوف: فأنت اليوم ألأمهم تلؤم لُؤماً، تَلؤُمُ تفعُلُ، تَلؤُمُ لُؤماً، حينئذٍ لُؤماً هذا مفعول مطلق، لكن ليس العامل فيه اسم التفضيل، بل فعل مقدر من لفظه.
واختلفوا في الصفة المشبهة، فحملها قوم على أفعل التفضيل، ومنعوا من نصبها المفعول المطلق، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه مستدلاً بقول النابغة الذبياني:
وَأَرَانِي طَرِبَاً فِي إِثْرِهِمْ ... طَرَبَ الوَالِهِ أو كالمُخْتَبَلْ
طَرِبَاً على وزن فَعِل حَذِر، وهو صفة مشبهة. طَرِبَاً طَرَبَ الوَالِهِ مثل: ضرب الأمير.
إذاً هذا في ظاهره أنه منصوبٌ بـ (طرباً)، وهو صفة مشبهة، وبقي على ظاهره ابن هشام، فجوَّز في الصفة المشبهة أن تنصب مفعولاً مطلق، لكن الجماهير على أن يقدر له مثل ما قُدِّر في: أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، حينئذٍ التقدير يكون: أراني طرباً في إثرهم أطربُ طربَ الواله، على نحو ما قالوه في أفعل التفضيل.
إذاً نُصِبْ المفعول المطلق، أو ذالك المصدر على المفعولية المطلقة بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ، هذه الثلاثة الأشياء تعمل في المفعول المطلق، وأفعل التفضيل، حكي الإجماع على أنها لا تنصب المفعول المطلق، والصفة المشبهة الجماهير على المنع، وجوزه ابن هشام -رحمه الله تعالى-.
نُصِبْ قال بعضهم: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ فإن أنيب حينئذٍ رفع، كما هو الشأن في المفعول به: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ، هنا نُصِبْ: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ غُضِب غضب شديد، غضبتُ غضباً شديداً، فأراد أن يحذف الفاعل؛ لئلا يساء به أنه سريع الغضب، قال: غُضِب –اليوم-، أو غُضب غضبٌ شديد، غضبٌ شديد هذا نائب فاعل، حينئذٍ من جوز أن يكون هذا المفعول المطلق نائب فاعل، حينئذٍ ينصب ما لم ينب عن الفاعل، فإن أنيب حينئذٍ أخذ حكم نائب الفاعل.
وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ، وَكَوْنُهُ أي المصدر أَصْلاً في الاشتقاق، لِهذَيْنِ الفعل والوصف، اُنتُخِبَ يعني اختيرَ، وهذا مذهب البصريين، ومسألة المصدر والفعل المشتق منه، وأيهما مشتق من الآخر، هذه طويلة الذيل قليلة النفع، بل معدومة النفع، وكثر الكلام حولها أيهما أصلٌ للآخر، وإن كان المرجح أن المصدر أصلٌ لفرعيه:
والمَصْدرُ الأَصْلُ وَأَىُّ أَصْلِ ... وَمِنهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الفِِعْلِ