(إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ)، إذاً استثنى من الأول -فيما يجب إضماره-، إن كان خبراً في الأصل.
اعتُرض على الناظم بشيئين اثنين لم يذكرهما، أولاً: إذا كان يحصل لبسٌ عند حذف الفضلةِ؛ لأن شرط الحذفِ: إن لم يقع اللبسُ بعد الحذفِ، وكلامُ الناظم هنا مطلق أو خاص؟ لأنه قال: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ -منصوبٍ يعني- بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ مطلقاً، سواء أُمن اللبس معه أم لا، فاللفظ عام، والصحيح أنه يقيد بما إذا أُمن اللبسُ، وأما إذا لم يؤمن اللبس فلا يجوز حذفه، هذا ثانياً.
يرِد عليه ثالثاً: المفعول الأول في باب ظن؛ لأنه استثنى الخبر، والمفعول الأول في باب ظن مبتدأٌ، فالعلة الموجودة في استثناءِ الخبرِ لكونه عمدة في الأصل، هي عينها موجودة في المفعول الأول بكونه عهدة في الأصل وهو مبتدأ، فإذا وجدت العلة حينئذٍ نقول: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا انتفى حذف الخبر لكونه عمدة في الأصل، فيلزم الحكم نفسه في المفعول الأول في باب ظن أن ينتفي حذفه، لكونه عمدة في الأصل، لأنه مبتدأ، فيستدرك على الناظم هاتين المسألتين؛ لأنه قال: (بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ) إن يكن هذه الفضلة ليس خبراً، وهذا يكون في باب كان، وفي باب ظن، بقي عليه المفعول الأول في باب ظن، وبقي عليه المفعول الذي ليس خبراً ثم قد يحصل لبسٌ بحذفه، وهذا لا يجوز حذفه.
إذاً: إن كان غير خبرٍ، وغير فضلةٍ يحصل بها اللبس، وغير مفعولٍ، أول يجب حذفه، فإن كان خبراً، أو إن كان فضلة يحصل به اللبسُ، أو كان مفعولاً أول لـ (ظن)، لا يجوز حذفه، ولا يجوز أن يتقدم، وإنما يجب تأخيره، قال: (وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ)، الذي استثناه أولاً: إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ يعني لا تحذفه، وإنما تؤخره في آخر الجملة، وسيأتي التعليل.
(وَأَخِّرَنْهُ) يعني اذكره مؤخراً مضمراً وجوباً: إن يكن ذلك الضمير عمدة بأن كان هو الخبر لكان –كان وأخواتها-، أو المفعول الأول لظن، أو فضلة إن حذفت أوقع في لبس، هذه ثلاثة أشياء، هذه لابد من استثنائها، حينئذٍ إذا استثنيت من عدم حذفها من الأول ماذا نصنع بها؟
نذكرها مؤخراً، نؤخرها إلى آخر الجملة مثل: كنتُ وكانَ زيدٌ صديقاً إياهُ، هنا نُعمل الأول أو الثاني؟
المسألة مفروضة في إعمال الثاني، إذاً (كنتُ) كان واسمهما، أين خبرها؟
الأصل أنه لا يجوز حذفهُ، لا تقل (كُنتهُ) لا يجوز، وإنما تؤخره بعد كانَ زيدٌ صديقاً، أعملتَ الثاني: كان زيد صديقاً، صديقاً هذا متنازع فيه، كنتُ صديقاً، كانَ زيدٌ صديقاً، إذاً اسم متنازع فيه بين كان الأولى، وكان الثانية، أعملت الثانية: كانَ زيدٌ صديقاً، والأول كنتُ، أين الخبر؟