إذاً: (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا)، (مَا)، يعني الاسم المتنازع فيه.
تَنَازَعَاهُ أي العاملان، وجوباً إن كان عمدة.
والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا من الأحكام المذكورة من حيث التطابق بين المفسِّر والمفسَّر، من الإفراد والتثنية والتذكير والتأنيث والجمع، ومن حيث التزام ذكر العمدة، وحذف الفضلة مما يمكن الاستغناء عنه.
كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا حيث أعمل الثاني وأضمر في الأول، وإضماره في الأول، وعوده على متأخر في اللفظ والرتبة هذا مغتفر في هذا الباب.
وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا أعمل الأول وأضمر في الثاني، وكلا الإضمار في هذين المثالين إضمار للفاعل، وعلى مذهب البصريين أنه يجب، وعلى مذهب الكوفيين أنه جائز؛ لأنه يجوز حذف الفاعل عندهم، وهو مذهب الكسائي ومن تبعه.
وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاَ
قال ابن عقيل: أي إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر، قال: أحد، لم يعين الثاني أو الأول؛ لأن الحكم عام: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ مطلقاً، سواء كان الأول أو الثاني، إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر، وأهملت الآخر عنه، فأعمل المهمل في ضميرٍ عائدٍ على الظاهر، في ضمير الظاهر يعني في ضمير عائدٍ على الظاهر، والتزم الإضمار، يعني الإتيان به مضمراً، إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه كالفاعل ونائب الفاعل، ولذلك أتى بالـ (كاف) هنا ليست استقصائية، وإنما للتمثيل.
إذاً تلتزم الإضمار متى؟ إذا كان مطلوب العمل واجب الذكر وهو الفاعل، أو نائب الفاعل، وذلك كقولك: يُحسن ويسيء ابناك، فكل واحد من يحسن ويسيء يطلب ابناك بالفاعلية، على أنه فاعلٌ له يُحسن ابناك، ويسيء ابناك، كلٌ منهما يطلب (ابناك) بالفاعلية، فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول فاعله، تقول (يحسنان ويسيء ابناك)، أضمرت في الأول، والثاني أعملته في الظاهر، ولا إشكا، تعربه كما هو، يُحْسِنَانِ: فعل مضارع مرفوع ورفعه ثبوت النون والألف فاعل، وَيُسِيءُ ابْنَاكَا: فعل وفاعل ولا إشكال.
فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول، فاعله فتقول: يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا، وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار في الثاني: (يحسن ويسيئان ابناكا)،أعملت الأول وأضمرت في الثاني، عكس المسألة السابقة، حينئذٍ لا إشكال فيه، يعني لا ينازع الكوفيون في هذا المثال، إذا قلت: (يحسن ويسيئان ابناك)؛ لأنك أضمرت في الثاني، وإذا أضمرت في الثاني حينئذٍ عاد على متأخرٍ في اللفظ دون الرتبة؛ لأن (ابْنَاكَا) هذا متعلق بـ (يحسن)، وهو حقه التقديم، (يحسن ويسيئان ابناك)، (ابْنَاكَا) هذا معمولٌ ليحسن، إذاً هو متقدم في الرتبة، جاء بعده يسيئان، إذاً عاد الضمير على متقدم في الرتبة دون اللفظ، ورجع إلى متأخر في اللفظ دون الرتبة، عبِّر بهذا أو ذاك، ومثله (بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا)، وإن أعملت الثاني في هذا المثال المتأخر، قلت: (بغيا واعتدى عبداك)، (بغيا): أضمرت في الأول وأعملت الثاني.