(بَغَى وَاعْتَدَا عَبْدَاكَا) (الألف) للإطلاق، (بغى واعتدى) كل منهما فعلان تقدما وطلبا عَبْدَاكَا على أنه فاعل، أَعمَل الأول وهو (بَغَى)، حينئذٍ تقول: (بَغَى) فعلٌ ماضي، و (عَبْدَاكَا) هذا فاعلٌ لبغى.
و (اعْتَدَيَا) اعتدى هذا أهمله، بمعنى أنه لم يسلطه على الاسم الظاهر، فوجب حينئذٍ أن يضمر فيه ضميراً وهو فاعل يعود على الاسم الظاهر، فقال: وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا، اعْتَدَيَا (الألف) هذه فاعل، إذاً أعمل الأول وأهمل الثاني، عكس المثال السابق.
المثال الثاني وهو: (بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا)، إهمال الأول وإعمال الثاني، هذا متفقٌ عليه، المثال هذا متفق على جوازه بين الكوفيين والبصريين، وأما الأول فمختلف فيه، منعه الكوفيون؛ لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، الإضمار قبل الذكر: هنا إذا قيل يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا، يحسنان: هنا ضمير قبل الذكرِ -أضمر قبل الذكر-، والأصل الذكر قبل الإضمار، هذا الأصل يُذكر اللفظ بالاسم الظاهر، ثم يأتي ضميره فيرجع الضمير على متقدم في اللفظ والرتبة، هذا هو الأصل.
أما إضمارٌ قبل الذكر يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً، وهذا في الأصل ممنوع، وهنا يُحْسِنَانِ عاد الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، إذاً خلاف القياس، ولذلك منعه الكوفيون، وبناءً على مذهب الكسائي -جواز حذف الفاعل- قال: يحسن ويسيء ابناك، أعمل الثاني وحذف الفاعل من الأول لماذا؟ تفادياً لهذه الخطورة وهي أن يضمر قبل الذكر، فحذف الفاعل، لكون الضمير يعود على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، أما الثاني: - بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا -: (بغى عبداك واعتديا)، (اعْتَدَيَا) هذا عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة، لذلك لم يختلف فيه، (بغى عبداك واعتديا) هذا تركيب الكلام، حينئذٍ لما أضمر في الثاني اعْتَدَيَا، نقول عاد على عَبْدَاكَا في اللفظ والرتبة، أو في اللفظ فحسب؟ في اللفظ فحسب ليس في الرتبة؛ لأن رتبته تالية لقوله بَغَى: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، هذا الأصل، بغى عبداك واعتديا حينئذٍ: بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا عاد الضمير من اعْتَدَيَا إلى متأخرٍ في اللفظ دون الرتبة، وهذا جائز عند الطائفتين، ولذلك اتفقوا على هذا المثال واختلفوا في الأول؛ لأن يُحْسِنَانِ يعود على متأخرٍ وهو: ابْنَاكَا، وهو فاعل وَيُسِيءُ، ويسيء متأخرٍ عن يحسن.
إذاً نقول المثال الثاني متفقٌ على جوازه، والأول منعه الكوفيون؛ لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، فذهب الكسائي إلى وجوب حذف الضمير من الأول، ولو كان فاعلاً يجب حذفه، تفادياً للإضمار قبل الذكر وهذا ممنوع في هذا الباب وفي غيره، وجمهور البصريين على الاستثناء؛ لأنه من المواضع الستة التي يستثنى فيها عود الضمير على متأخر؛ لأنه مسموع في لغة العرب، رُبَّهُ فِتيةً، نِعم رجلاً، جاء فيه، وجاء في هذا الباب كما سيأتي حينئذٍ يغتفر في هذا الباب عود الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، هذا نقول مستثنى في هذا الباب، وهي أبواب ستة قياسية، وما عداها فهو سماعي يحفظ ولا يقاس عليه.
إلى وجوب حذف الضمير من الأول والحالة هذه تمسكاً بقول ..