إذاً: تعين كما ذكرنا اليوم أن أشد وأمكن ما يعين على فهم القرآن هو التمعن والتمكن من لسان العرب:
ومنه ماض عن مضارع وضع ... لكونه محققاً نحو فزع
((فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [النمل:87].
إذاً: قَالَ: المراد به هنا: ماضٍ لفظاً، والمراد به الاستقبال، فوضع الماضي في موضع المستقبل وارد في كلام العرب على سبيل المجاز سواء عبرت عنه: مجاز، أو قلت: حقيقة ونحو ذلك، إذا كنت لا ترى المجاز الأمر واسع، لكن الأسلوب موجود في لسان العرب، وهو إطلاق الماضي مراداً به المستقبل، سميته مجازاً أو لا، نقول: النتيجة واحدة.
على سبيل المجاز، وقرينة هذا المجاز هنا تقدم الخطبة على المقصود، بدليل: قوله: وأستعين الله .. قال محمد في الماضي انتهى قال، انتهى قوله كله، لكنه قال: وأستعين الله، أستعين: هذا فعل مضارع يدل على أن الاستعانة تكون لما سيستقبل لا لشيء مضى وانقطع، فأوقع الماضي موقع المستقبل تنزيلاً لمقوله منزلة ما حصل، كما ذكرناه سابقاً:
إما لحصول مقوله ذهناً، أو لتحقق حصوله خارجاً عنده، يعني: في قوة الموجود، إما لكونه موجوداً بالفعل، وإما لكونه في قوة الموجود.
قَالَ محُمدٌ: هذا اسم الناظم رحمه الله تعالى، وهو علم منقول، لكنه ليس له معنىً، لما أطلق عليه، وهو مخلوق وليس بنبي، حينئذٍ نقول: المعنى غير مراد هنا؛ لأن أعلام البشر ليست لها معاني .. لا تدل على معنى، قد يقال: محمد ومحمود وعبدالله وهو عبد للهوى، ويقال: صالح ونحو ذلك، وفائز وليس بفائز بل هو خاسر، نقول: هذه ألفاظ لها معاني، معانيها التي اشتقت منها في لسان العرب هل هي موجودة في المسمى؟ الجواب: لا، لا نجزم بهذا، قد يكون وقد لا يكون.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ابن القيم رحمه الله تعالى يرجح أنها تدل على معاني في الموصوف، ونقل أنه قول الجمهور.
قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ: هو ابن مالك، يعني: الإمام العلامة أبو عبدِالله جمال الدين بن عبد الله بن مالك، رحمه الله تعالى.
هُوَ ابْنُ مَالِكِ، هو: هذا ضمير فصل للمفرد مبني على الضم في محل رفع مبتدأ، وابن: هذا خبره، وهو مضاف، ومالك مضاف إليه.
هل ابن نعت في الأصل لمحمد ثم قطعه، أم أنها جملة معترضة ابتداءً؟ قال محمد هو ابن مالك، هذا محل خلاف بين الشراح، هل قوله: هو ابن مالك: جملة معترضة ابتداءً أم أن الأصل: قال محمد ابن مالك، ثم قطعه؟ لأن الإتباع كما ذكرناه في البسملة: بسم الله الرحمن: هذا إتباع، أليس كذلك؟ إتباع نعت له، والنعت يأخذ حكم المنعوت.
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنُ .. قطعناه، لم يصر نعتاً لما قبله، فحينئذٍ نقول: الرحمنُ، هذا خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو الرحمن، هذه الجملة ليست متصلة بما قبلها من حيث الإعراب في الظاهر، حينئذٍ نقول: قطع النعت، فإذا قيل: أتبع النعت بمعنى: أنه حكم عليه بحكم المنعوت جره أو نصبه أو رفعه، وإذا قطعه حينئذٍ نقول: فصله، هل قوله: ابن، في الأصل نعتاً لمحمد ثم فصله؟ هذا محل النزاع؛ لأنه إذا قيل بأنه نعت له ثم قطعه يرد إشكال، وهو أنه لا يجوز القطع إلا إذا كان المنعوت معلوماً دون النعت حقيقةً أو ادعاءً كما سيأتي معنا.