[ولو ذكرت ما قاله العلماء في هذا لطال الكتاب جداً.
قال أبو عمر ابن عبد البر: روينا عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأوزاعي ومعمر بن راشد في أحاديث الصفات أنهم كلهم قالوا: أمروها كما جاءت، قال أبو عمر: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات، أو جاء عن أصحابه رضي الله عنهم؛ فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم؛ فهو بدعة وضلالة.
وقال في (شرح الموطأ) لما تكلم على حديث النزول قال: هذا حديث ثابت النقل صحيح الإسناد، ولا يختلف أهل الحديث في صحته، وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أن الله في السماء {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم: إن الله تعالى في كل مكان بذاته المقدسة.
قال: والدليل على صحة ما قال أهل الحق قول الله -وذكر بعض الآيات- إلى أن قال: وهذا أشهر وأعرف عند العامة والخاصة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.
قال أبو عمر بن عبد البر أيضاً: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] : هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله.
وقال أبو عمر أيضاً: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع: الجهمية، والمعتزلة كلها، والخوارج؛ فكلهم ينكرونها، ولا يحملون شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أئمة الجماعة، فهذا كلام ابن عبد البر إمام أهل المغرب] .
ومن هذا يعلم أن علو الله سبحانه وتعالى واستواءه على عرشه أنزله الله في كل كتاب أنزله على نبي مرسل، وبه يتبين صدق ما ذكر من أن علو الله جل وعلا دل عليه إجماع الأمم، فإن الأمم أجمعت على علوه سبحانه وتعالى، وهذا أحد الأدلة التي دلت على علوه، وإلا فإن علو الله سبحانه وتعالى دل عليه الكتاب السنة، ودل عليه إجماع الأمة -كما دل عليه إجماع الأمم- ودلت عليه الفطرة والعقل.
وأما قول المعتزلة وأهل البدع من أن الله سبحانه وتعالى في مكان بذاته المقدسة، فهذا قول باطل فاسد، إنما يقوله من لم يقدر الله جل وعلا حق قدره، وذلك أن الكتاب والسنة وإجماع السلف والفطرة والعقل؛ كل هذه الأدلة دلت على علوه جل وعلا، وأنه بائن من خلقه عال عليهم، وأما من قال بأن الله جل وعلا في كل مكان؛ فإنه لم ينزه الله جل وعلا التنزيه الواجب، إذ إن من لازم قوله بأن يكون الله جل وعلا في أحشائه، وأن يكون الله جل وعلا في الحشوش والأماكن المستقذرة، وهذا في غاية الفساد والبطلان، كما أنه يلزم عليه أن يزيد بزيادة المكان وأن ينقص بنقصانه، وهذه كلها لوازم باطلة تدل على فساد هذا القول، وأما إثبات العلو فلا يلزم عليه باطل بوجه من الوجوه، فالواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه من العلو وأثبته له رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة، ودلت عليه الفطرة والعقل الصحيح، نسأل الله أن يوفقنا إلى العلم النافع والعمل الصالح.