[والذي نختار: قول أئمتنا: إن ترك المراء في الدين والكلام في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق، ومن زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم واسط يؤدي، وأن المرسل إليهم أفضل؛ فهو كافر بالله، ومن قال بإسقاط الوسائط على الجملة؛ فقد كفر ا.
هـ] .
هذا قول بعض الصوفية، وهو ضلال وكفر بالله العظيم، حيث زعم هؤلاء المبتدعون أن منهم من يبلغ درجة من التقوى والإيمان يزيد فيه على خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وهذا كفر بالله جل وعلا، وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أقسم بالله فقال مخاطباً خير القرون: (والله إني لأعلمكم بالله، وأتقاكم له) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه، وهو صلى الله عليه وسلم أخشاهم له، ولا يبلغ أحد من الناس -لا من الأولين ولا من الآخرين- ما بلغه صلى الله عليه وسلم من خوف الله تعالى وخشيته ومراقبته، والتعبد له بأنواع القربات والعبادات.
أما قوله: (من قال بإسقاط الوسائط على الجملة؛ فقد كفر) فهذا صحيح؛ لأن الوسائط بين الله جل وعلا وبين خلقه نوعان: وسائط يجب إثباتها والإيمان بها: وهم الرسل الذين اصطفاهم الله جل وعلا؛ ليبلغوا رسالاته سبحانه وتعالى، ويدلُّوا الناس عليه.
والقسم الثاني: هم الوسائط المزعومة الذين اتخذهم أهل الكفر وأهل الشرك، وهم أولئك الذين ذكرهم الله جل وعلا في كتابه: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] ، فهؤلاء وسائط منكرة أنكرها الله سبحانه وتعالى، بل حرّم الجنة على من اتخذوا وسائط يتوصلون بهم إلى الله جل وعلا بزعمهم، فقال جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ؛ فالواجب على العبد أن يثبت الوسائط الذين أرسلهم الله للدلالة عليه ولهداية الخلق، وأن يكفر بالوسائط الذين جعلهم هؤلاء المشركون أنداداً من دون الله؛ يتقربون لهم، ويذبحون لهم، ويصرفون لهم أنواع العبادة.