ثم قال رحمه الله تعالى: [ثم الكلام في هذا الباب عنهم: أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها، يعرف ذلك من طلبه وتتبعه، ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين، كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها: من أن (طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم) فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف -من المتفلسفة ومن حذا حذوهم- على طريقة السلف، إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان] .
الآن الشيخ رحمه الله في هذا المقطع بدأ بكلام جديد، فبعد أن قرر رحمه الله صحة مذهب السلف وسلامة طريقهم، وأنهم قائلون في هذا الباب بالحق المبين، وأنهم مستمسكون بما جاء عن الله وعن رسوله الأمين، أتى رحمه الله بوجه آخر وهو إبطال طريقة الخلف، وأن الخلف لم يقفوا على شيء في باب معرفة الله جل وعلا وأسمائه وصفاته، وأنهم في هذا الباب بين ضال ومتخبط ومتحير، وسينقل عنهم رحمه الله ما يدل على ضلالهم وخطئهم وتحيرهم، ونقل رحمه الله جواب المتأخرين وعذرهم في سلوكهم سبيل غير السلف السابقين.
فإن الخلف لما سلكوا طريقاً غير الطريق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون المفضلة، احتاج هؤلاء إلى الاعتذار عن مخالفتهم لسبيل السلف الصالح، فأتوا بهذه الجملة التي ترددت في كلامهم وكتبهم، وهي كالاعتذار عن مخالفة طريق السلف الصالحين فقالوا: (إن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم) .
وهذه الجملة متناقضة وقد حوت حقاً وباطلاً.
أما كونها قد حوت حقا وباطلا، فالحق هو في قولهم: إن طريقة السلف أسلم.
فلا شك أن طريقة السلف أسلم؛ لأنهم أعلم بالله وأعلم بما يجب له سبحانه وتعالى، وأعلم بأسمائه وصفاته.
وأما قولهم: (وطريقة الخلف أعلم وأحكم) فهذا كذب؛ لأن طريقة الخلف لم يصلوا بها إلى علم ولا إلى حكمة، بل وصلوا إلى ضلال وحيرة.
ثم إن عجز هذه الجملة يناقض صدرها، فمقتضى أن طريقة السلف أسلم: أن يكون طريقهم أعلم وأحكم؛ لأن السلامة فرع عن العلم والحكمة، ولذلك شُرع لنا في كل ركعة أن نسأل الله الهداية إلى صراطه المستقيم، وصراطه المستقيم أسلم الطرق الموصلة إليه، وقوام هذا الصراط أمران: العلم والعمل الصالح, ولذلك قال جل وعلا في آخر هذه السورة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] ، لأنهم خالفوا مقتضى العلم، وغير (الضالين) ؛ لأنهم عملوا بلا علم، فطريقة السلف أسلم؛ لأنها قائمة على العلم والحكمة والعمل الصالح، ولا سلامة إلا بعلم وعمل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] .
إذاً: هذا أول الأوجه في بطلان هذه العبارة، وأنها ليست بصحيحة، ثم سيذكر الشيخ رحمه الله أوجهاً أخرى لإبطال هذه العبارة، ولابد أن ندرك ونفهم هذه الأوجه للرد على طريق الخالفين من الخلف الذين خالفوا طريق السلف، فإنهم خالفوا في المقدمات، وخالفوا في النتائج؛ ولذلك كانت نتائج طريقهم الحيرة والضلال.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.